أوضاع النفط .. تحولات وتحليلات غير محايدة

قد تتراجع أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية في العام المقبل، إذا ما خضعت لمعايير العرض والطلب. هذا أمر مفهوم مع هذه السلعة تحديداً، ولا يحتاج إلى محللين متخصصين لـ ''الكشف'' عنه. عودة إيران، وتعافي ليبيا، والصفقات النفطية المستقبلية التي يعقدها العراق، ورفع إنتاج البلدان غير المنضوية تحت لواء منظمة الأقطار المصدرة للنفط ''أوبك''، كلها عوامل ستزيد من حجم المعروض، وبالتالي ستؤثر سلباً في الأسعار. وقد تحتاج ''أوبك'' في منتصف العام المقبل إلى إعادة النظر في مستوى إنتاجها الراهن، الذي يقف عند حدود 30 مليون برميل يومياً. فالحفاظ على الأسعار، أو تقليص تراجعها، يستوجبان مثل هذه الخطوة، التي قد لا تعجب بعض أعضاء المنظمة النفطية، ولكنها في النهاية ليست خاضعة لمعايير الإعجاب وعكسها. إنها خطوة في سياق الموازنة في السوق، بأقل الأضرار الممكنة على المصدرين .. وحتى المستهلكين.
وإذا ما أضفنا التراجع الواضح في واردات الولايات المتحدة من النفط، ولاسيما من دول المنطقة العربية، فإن إعادة النظر في إنتاج ''أوبك'' ستقترب أكثر من الحتمية. وانخفاض واردات الأمريكيين ''كما هو معروف للجميع'' يعود أساساً إلى الارتفاع الأسبوعي الطفيف للاحتياطي النفطي الأمريكي، وهو ناتج بصورة مباشرة عما بات يعرف بـ ''ثورة النفط الصخري''. تلك ''الثورة'' التي لا تزال ضمن إطار التساؤلات والاستفسارات والبحث .. وحتى التشكيك. وفي الواقع لم يرق بعد، هذا النوع من النفط إلى مستوى ''الثورة'' التي يروجون لها. ولأن السوق النفطية من أكثر الأسواق حساسية، فهي تتأثر أحياناً حتى بالأوهام إلى جانب الشائعات والتحليلات غير المحايدة. إن تسويق النفط الصخري كـ ''ثورة''، يتم في الواقع من قبل الشركات الأمريكية أكثر من الإدارة الأمريكية نفسها، والسبب واضح، يعود إلى دفع المسؤولين في الولايات المتحدة، لدعم شركات النفط نفسها، عن طريق التمويل، أو تخفيف الأعباء الضريبية، أو أي شكل آخر من الدعم.
كل العوامل لخفض إنتاج ''أوبك'' في النصف الثاني من العام المقبل واردة، ولكن ليس قبل أن نتذكر أن تراجع حجم الواردات الأمريكية النفطية، يقابله ''عطش'' مستمر للبترول من جانب دول عديدة في القارة الآسيوية. ولو أضفنا إلى ذلك، مسيرة الاقتصاد العالمي نحو نمو مؤكد في السنوات القليلة المقبلة، التي تشمل حتى الدول المتعثرة في الغرب، فإننا أمام معادلة واضحة. تراجع الواردات من الجهة الأمريكية، وارتفاعها من الجانب الآسيوي، بما في ذلك الدول المنتجة للنفط نفسها، الأمر الذي يجعل ''أوبك'' تفكر كثيراً قبل أن تُقدم على خفض جديد لإنتاجها. فالمسألة لا تتطور على صفة واحدة، والتحولات الجارية ليست مقصورة على طرف واحد أيضاً، وعجلة الحراك الاقتصادي على الساحة العالمية، بدأت منذ أشهر تزيد من دورانها. دون أن ننسى، أن مؤشر التعافي النفطي الليبي ليس قوياً كما ينبغي، وعودة إيران إلى الساحة النفطية العالمية بكامل قدراتها، لا تزال خاضعة لقرار السياسية الغربية.
لا شك أن الوضع النفطي العالمي يشهد تحولاً تاريخياً، بصرف النظر عن مستوى ''تاريخيته''، وهناك استحقاقات ستنجم عن مثل هذا التحول، غير أن الوضع لم يدخل بعد في السياق الدراماتيكي، إلا إذا اعتبرنا أن التهويل الذي تسوقه الشركات النفطية الأمريكية (مثلاً)، جزء رئيس من الحراك العام، أو أن الأبواب باتت مشرعة أمام العودة الإيرانية. إن واقع الحال ليس كذلك. فلا يمكن البناء على أساس هش. وفي الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل أي شيء، خصوصاً في ميدان باتت الشائعات تحتل ركناً فيه منذ عقود. ولا شيء أفضل لـ ''أوبك'' من أن تكون على مستوى التحولات الحقيقية منها والوهمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي