هل تكفي الغرامة لانتهاك قوانين الاحتكار؟
الاحتكار آفة اقتصادية كبرى، ذلك أن المحتكر يعمل على تعطيل جميع القنوات القانونية والاقتصادية من أجل تعظيم أرباحه وتخفيض تكاليفه، فالمحتكر يضغط على المستهلكين برفع الأسعار، كما أنه يضغط بشدة على العمال لأنه الوحيد القادر على التوظيف، ويفرض عليهم سقفا محددا من الرواتب يحقق له الحصول على مستويات متدنية من التكاليف ويضخم الأرباح، وكلما تزايدت أرباحه كان قادرا على فرض سياساته الاقتصادية حتى على الوطن، ما يزيد من عوائق دخول مستثمرين آخرين إلى الصناعة ويعزز الوضع الاحتكاري له. ومع ازدياد أرباح المحتكرين وقدرتهم على فرض سياساتهم يزيد عناء الشعب ويزيد فقر الفقراء، لذلك وجبت محاربة الاحتكار في كل الشرائع وفي كل القوانين.
وأخيرا صدرت قرارات من مجلس حماية المنافسة عن اكتشاف ومعاقبة عدد من التجار لتعمدهم رفع الأسعار نتيجة لوضعهم الاحتكاري، وعلى الرغم من أن هذه القرارات مبشرة بمرحلة جديدة من توجه حكومي صادق لمنع محاربة الاحتكاريين، إلا أن معالجة المشكلة لم تزل محصورة في فرض غرامات، والاحتكار لا تتم معالجته من خلال فرض الغرامات فقط، ذلك أن الغرامات مهما تعددت فهي محددة في النظام، كما أن المحتكر يعتبرها جزءا من تكلفة العمل ويقوم بتعويضها من خلال فرض أسعار احتكارية جديدة أو الضغط على السياسية الاقتصادية لمنعها أو التقليل منها أو تأخيرها على الأقل، فالمحتكر، خاصة للسلع الأساسية قد يمارس شتى الضغوط، ومنها تقليص حجم الإنتاج مما يضغط على الأسعار ويثير سخط الشعب، وهذا بدوره يضغط على الحكومة لحل المشكلة بسرعة، ومن ذلك منح إعانات للتجار لخفض الأسعار فيعوض التاجر ما خسره بسبب العقوبات على شكل معونة. وهكذا تستمر الحلقة مفرغة طالما بقي الوضع الاحتكاري قائما بذاته ونحن نكافحه من خلال الغرامات فقط.
لا بد من حلول جذرية لكل فعل احتكاري، ذلك أن الفعل الاحتكاري لا ينتج إلا من خلال تمتع التجار بوضع احتكاري استطاعوا تحقيقه طوال سنوات من إغفال مؤسسات الدولة مراقبة هذا التطور، ولأن تفعيل مجلس حماية المنافسة لم يتم إلا أخيرا. لكن هذه الأوضاع الاحتكارية تحتاج إلى جهود كبيرة وشجاعة لمواجهتها وإلا فلن تحقق الغرامات أي ردة فعل حقيقية، بل سيطور التجار استراتيجياتهم لتعزيز هذه الاحتكارات وفرض شروط جديدة على المجلس.
وهذا يعني أن يطور المجلس بدوره استراتيجياته لمواجهة الاحتكاريين، خاصة أن التصرفات الاحتكارية تكشف الوضع القائم، فلا بد إذا من الخروج من الدائرة وهذا لن يتم إلا من خلال استطلاع جهود الدول المتقدمة في ذلك ودراسة التجارب العالمية في هذا الشأن، فبعض الشركات حققت وضعا احتكاريا لن يفيد معه إلا تفتيتها أو تقسيمها إلى شركات أخرى أو إجبارها على التحول إلى شركات مساهمة، وهذا مثل قضية "مايكروسوفت" التي شغلت الرأي العالمي لسنوات، مع وضع احتكاري ضخم وهيمنة على مستوى العالم بأسره، وانتهت إلى رفع قضايا عدة على الشركة وتشجيع شركات عالمية أخرى على ابتكار نماذج تشغيل جديدة، أيضا هناك تجارب عالمية عديدة لمنع الاندماجات بين الشركات حتى لا تحقق من خلال هذه الاندماجات وضعا احتكاريا تصعب معالجته في وقت لاحق. من المهم أيضا أن يطور المجلس مفاهيم التصرفات الاحتكارية حتى يكتشف وضع الهيمنة الذي تحققه بعض الشركات، فهناك شركات الآن بدأت تحقق وضعا متميزا من خلال سيطرتها على صناعة كاملة من الإنتاج وحتى منافذ التوزيع، وهذه مشكلة يجب حلها، بعض العائلات التجارية تحقق وضعا احتكاريا من خلال مجموعة كاملة من الشركات بدءا من التمويل وحتى الصناعة، وهذا يحقق لهذا العائلة ميزات تنافسية احتكارية تعمل على دعم مؤسساتها ومنع الآخرين من الدخول للسوق من خلال وضع شبكة الشركات في المجموعة. لذلك يجب أن يطور المجلس مفاهيمه وأن يطور أساليب المكافحة إلى ما هو أبعد من مجرد فرض غرامة.