القيادة المتهورة .. مشروع جناية
حوادث مرورية تنم عن تهور وعدم مبالاة بحياة الآخرين، وتكشف عن مخاطرة بحياة المشاة والركاب، وهي حوادث ليست وليدة لحظة مفاجأة بل هي نتيجة سلوك غير واع، ولا يمكن وصفه سوى بأنه نوع من الجنون. وقد شهدنا وشاهدنا بعضا من تلك الحوادث التي يندهش لها العقلاء، ويرون أن معالجتها تحت بند الحوادث المرورية غير عادل، بل ويجافي المنطق الصحيح للعقاب على الأفعال، ومن هنا كان لا بد أن يكون هناك موقف فقهي يتجاوز حدود الفتوى الفردية إلى الفتوى الجماعية، ولذا تناول وأقر مؤتمر مجلس الفقه الإسلامي الدولي المسؤولية الجنائية على قائدي المركبات في حال السرعة وعدم المبالاة، ووجوب التزامهم بأنظمة المرور التي قصد بها المصلحة العامة، وتحريم تصرف قائد المركبة تصرفا يفضي غالباً إلى الإضرار بنفسه أو بغيره، ويضمن ما ترتب على تصرفه من أضرار. ومن ذلك قطع الإشارة الحمراء والسرعة العالية المفرطة والاستعراض بالسيارة (التفحيط) والمطاردات غير المشروعة والإهمال في صيانة أو قيادة المركبة إهمالا ينشأ بسببه الضرر.. تلك وغيرها تترتب عليها مسؤولية جنائية، لأنها بمثابة مشروع ارتكاب جناية بحق الآخرين والنفس أيضا.
لقد رأى الفقهاء المجتمعون في مؤتمر الفقه الإسلامي ما ترتب على هذه التصرفات من جناية على النفس أو ما دون النفس، وقرروا أن يتحمل المباشر لقيادة السيارة المسؤولية الجنائية عمداً أو شبه عمد أو خطأ بحسب الحالة وبحسب الظروف والملابسات، ولولي الأمر وللقضاء إيقاع عقوبة التعزير المناسبة. ولقد أوصى المجمع الجهات ذات العلاقة في الدول الإسلامية ببث الوعي بأهمية الالتزام بقواعد السير، والآثار السيئة في الأفراد والمجتمعات المترتبة على مخالفة تلك القواعد. ولكن الواقع أن التوعية المرورية بعيدة عن غايتها، فلا يكفي أن يكون سائقو المركبات على علم بقواعد وأصول وآداب السير في الطرقات، ولكن المهم أن يقتنعوا بها وأن يستعملوا المركبات والطريق على أساسها، كما أن السلامة المرورية يجب أن تسبق أي برنامج جزائي شامل؛ لأن السلامة المرورية ذات بُعد وقائي، وتهدف إلى تبني جميع الخطط والبرامج واللوائح المرورية والإجراءات الوقائية للحد من أو منع وقوع الحوادث المرورية ضمانا لسلامة الإنسان وممتلكاته، وحفاظا على أمن البلاد ومقوماته البشرية والاقتصادية.
إن من المُفترض أن تؤدي العقوبات بحسب مآلها المعتاد إلى تقويم سلوكيات الفرد وتغييرها نحو الأفضل، ثم الحرص على تنمية وعي الفرد تجاه المجتمع لضمان تحقيق الهدف الذي هو في النهاية ناتجٌ جماعي يكتسبه الكل وليس على مستوى فردي. والحقيقة أن نتائج تطبيق نظام ساهر أسهمت في تغيير سلوك سائقي المركبات، وهو ما يمكن معرفته من خلال إحصائية دقيقة توضح كيفية تغير سلوك قائدي المركبات، ومنها انخفاض نسبة الحوادث والوفيات والتلفيات في المركبات والطرق، كما أسهمت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لدعم البحث العلمي في صياغة هذه الخطة الاستراتيجية المرورية التي أقرها مجلس الوزراء في إطار معالجة شاملة لحوادث المرور في المملكة، فالحلول التقليدية لم تعد مجدية لأنها جزئية ووقتية وليست جذرية، ولذا كان لا بد من منظومة متكاملة للسلامة المرورية تقلل من الحوادث بالحد من السرعة ورفع مستوى الوعي والثقافة المرورية لدى المجتمع ووضع الآليات الدقيقة لضبط السلامة المرورية من خلال نظام متطور متجدد وله آليات حديثة.
إن العمل من أجل وقاية المجتمع من حوادث المرور يمكن إسناده لشركات ومؤسسات مختصّة في التوعية، فالحوادث لدينا غير عادية في حجم التهور وقلة المبالاة، كما أنها كارثية في خسائرها البشرية والمادية، فالعنصر البشري يشمل في الواقع القوى البشرية المديرة للحركة المرورية في المكاتب والطرقات، لأنها هي التي تضع منهجية التعامل مع الظاهرة المرورية وتستطيع أن تتغلب على معظم السلبيات متى كانت أهدافها ممكنة التحقيق، باستخدام وسائل التقنية والعنصر البشري، لتطبيق النظام على المخالفين.