حالة التذمر: نحن العدو

''يرى المتشائم صعوبة في كل فرصة ويرى المتفائل فرصة في كل صعوبة''
ونستون تشرشل

أتى موسم الأمطار وإيقاف المدارس في أغلب الأحيان لسبب غير مقنع بسبب بعض العيوب في البنية التحتية، لتعود حالة التذمر إلى الواجهة. التذمر من قبل بعض المثقفين أو بعض القطاعات المجتمعية المنشغلة بقضية محددة متوقع، ولكن لما تكون حالة التذمر غير معنونة في مجتمع أغلب فئاته في حالة معيشية مقبولة، ووضع البلاد ماليا مريح، وحالتها الأمنية مستقرة، تكون حالة التذمر لافتة. الشواهد على ذلك كثيرة. حديث المتذمرين والمتشائمين سرعان ما يتحول إلى محاكمة لكل الهياكل الإدارية وأحيانا الأشخاص في جميع المستويات، ولكنه نادرا ما يلامس السؤال المفصلي: ماذا عملت أنا شخصيا؟ وأقل ندرة حتى التساؤل الموضوعي حول فاعلية المنظومة الاقتصادية الحاسمة في تصرف الناس ومعنوياتهم بما تحمل من استحقاقات على الفرد، والعلاقة بما أنجز وكسب على أرض الواقع، قياسا على كفاءته ودوره الحقيقي في المنظومة الاقتصادية. الواضح أن الأغلبية لا تريد الإجابة عن هذه التساؤلات، وبالتالي سرعان ما نصطدم مع مستوى تحليل قاصر، سرعان ما يتحول إلى حالة تذمرية دون رصد علمي.
تحليليا تشخيص الحالة صعب بسبب تداخل المادي مع المعنوي في صراع متغير. معنويا هناك نزعة مثالية في الفكر العربي الذي اختزل في وجدانه أن أي تقدم مصدره التاريخ وليس النظرة المستقبلية، مما يجعله في توجس وحذر من أي طرح غير تاريخي، لا يمكن الهروب من الحالة الفكرية، ومما يزيد الموضوع تعقيدا أن العربي يقبل بالحاجة للتقدم المادي ولكنه لا يقبل الجانب الفكري التدرجي الذي يحد من النزعة المثالية ويتكيف مع الناحية العملية، ولكنه لا يصبر على عملية بعيدة المدى. هذه الحالة من عدم التطابق بين الفكري والمادي تخلق عدم راحة مستديما، مما يجعل البيئة مواتية للتشكي وعدم القدرة على تراكم المعرفة. الجانب المادي أن أغلب المواطنين اعتادوا على الكسب السهل دون عمل يذكر أو مرتبط بالقدرات أو الكفاءة الفعلية، التي هناك إجماع على تفادي قياسها. وهذا مرده أن أغلب الناس تعمل للحكومة التي تحاول توظيف أكبر عدد ممكن. الغياب عن العمل الجاد جعل الكثير غير قادر على التحليل، إذا عجز التحليل وجد النقد أسهل وسرعان ما يعقبه سريعا التذمر.
حالة التشاؤم مرتبطة جزئيا بقلة التجربة والقدرات التحليلية، وجزئياً بالنظرة للأداء المقارن، ولكن للتفاؤل صوت مؤثر حينما يكون الطرح واضحا وصريحا.
المملكة حققت تقدما مهما في الانتقال التدريجي من الدولة الرسالية إلى الدولة المدنية، كما حققت المملكة تطوراً واستقراراً مقارنة بدول المنطقة الكبيرة مثل مصر والعراق والجزائر وإيران، كما حققت المملكة وحدة وطنية عبَّرت عنها مركزية الدولة وتجانس مكوناتها وتحولها من نظام بدائي إلى منظومة حضرية.
العامل الثالث في التفاؤل أن النقد جزء من عملية التطور، فالمراقب المنصف يجد الصحافة والندوات المتخصصة على سبيل المثال في حالة نشطة وتفاعل مع القضايا العامة. ولكن لا يمكن للتنظير أن يبتعد كثيرا عن مستوى الفاعلية الفردية والجماعية. الفاعلية مرتبطة عضويا بإصلاح جذري في الأولويات الاقتصادية وبنقد الذات، بما فيها الجدية الأكاديمية المدققة خاصة لكبار الموظفين، والإعداد للوظائف القيادية في الهياكل الإدارية والمصارحة حولها.
تحديات المملكة كبيرة ولكن حالة التشاؤم والنقد الخطابي لا تسهم في النهضة. الحالة النفسية الضعيفة تعبير عن العجز أحياناً، وأحياناً عن تقصير إداري، وأحياناً عن التهرب من المسؤولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي