لا تتحرش «فيني» (1)

من أسوأ الظواهر التي بدأت تظهر في مجتمعنا وأصبحت تكبر يوما بعد يوم ككرة ثلج تتدحرج من قمة جبل شاهق، ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال، أما لماذا هي أسوأها فلأن ضحاياها من أطهر المخلوقات في عالمنا، وهذه الظاهرة تصنع منهم، مع الأسف الشديد، سلسلة متصلة ستطوق عنق المجتمع يوما ما حتى يصعب عليه تحطيمها، إن لم يبادر بالاعتراف بوجودها والبحث عن أسبابها وأفضل الحلول لها، وأما لماذا هي تكبر فلأن المجتمع يدفن رأسه في التراب حتى لا يواجهها، وما بين صمت المجتمع وهروبه واستفحال هذه الظاهرة فإن هناك ضحايا يتعالى صوت أنينهم، لكن لا أحد يرغب في الإنصات إليهم.
تتعدد تعريفات التحرش الجنسي، لكنها في النهاية تتفق على أنها تعني استخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسية لبالغ أو مراهق، سواء كان الإشباع، بشكل مباشر وفعلي، أو غير مباشر كالتراسل والتواصل الإلكتروني بالصور والكاميرا وغيرها، والأطفال المعرضون للتحرش أكثر من غيرهم هم تقريبا ما بين سن ست وعشر سنوات، لأنهم عادة في هذه السن يكونون أقل خبرة ووعيا وإدراكا، وقد يتم التحرش بهم وهم أصغر من ذلك أو أكبر، لكن حسب الدراسات، فهذه هي غالبا الفئة التي تكون عرضة للتحرش، أي من الصف الأول الابتدائي إلى الصف الرابع الابتدائي. وفي دراسة أجريت عام 2002 في السعودية بينت أن 49 في المائة من إجمالي السكان ممن هم في سن 14 تعرضوا للتحرش الجنسي. لاحظوا أننا نتحدث عن عام 2002 ولم تكن بعد قد ظهرت الهواتف الذكية بشكلها المتطور الآن كالآيباد والبلاكبيري والآيفون والجالكسي وغيرها، حيث المساحات الشاسعة من الحرية غير المقيدة، وهذه ظاهرة أخرى مؤلمة بدأت تستشري في مجتمعنا، حيث يعطى الصغار هذه الهواتف الذكية مع مساحة حرية مبالغ فيها، ما يفرز لنا مشكلات متشعبة، لعل هذا ليس وقت الحديث عنها، ولعلي أفرد لها مقالا قادما - بإذن الله، ولذلك أعود إلى ظاهرة التحرش الجنسي، حيث من المؤسف أن 90 في المائة من حوادث التحرش الجنسي بالأطفال تحدث من العائلة نفسها أو أحد المحارم أو من أحد الأقرباء أو أصدقاء العائلة أو السائق والخادمة، لذلك حين يقول الطفل أو الطفلة للأم أو للأب "أنا ما أحب الشغالة أو السواق" فيجب عليهما أن يستمعا له جيدا، فربما هذه إشارة مهمة، فعلى الأم أن تسأله بلطف وتحاول أن تعرف سبب بغضه المفاجئ للسائق أو الخادمة، وأيضا حين يرفض الطفل أو الطفلة الذهاب مع أحد أقاربه ويبكي بعنف فعلى الأم أو الأب ألا يحاولا إجباره على ذلك، فربما هو قد تعرض للتحرش، والمتحرش عادة لا يتحرش بالطفل صاحب الشخصية القوية والذكي، بل يبحث عن فريسته الوديعة التي ترضخ لتخويفه فيما بعد .. ومن الأمور المؤسفة أن بعض الأمهات يسمحن للطفل بالنوم عند أبناء أخواله أو أعمامه رغم وجود مراهقين في الأسرة، وهذا أعتبره تفريطا منها لا ثقة، لأن نسبة تعرض طفلها للتحرش كبيرة، فلماذا تخاطر بفلذة كبدها؟ والمؤلم أكثر السماح للفتيات بالنوم خارج المنزل في بيئة غير آمنة.
ذات يوم اتصلت بي أم مفجوعة، حين اكتشفت أن أخاها الذي وثقت به تحرش بطفلها ذي السنوات الست لأكثر من خمس مرات حسب قول طفلها! وأم أخرى اكتشفت أن خادمتها تقيم علاقة مع سائق الجيران في منزلها، وفي غرفتها وسائق العائلة يؤمن لها الوضع لأنها قامت بتهديده بفضح علاقته الشاذة مع الطفلة الصغيرة ذات السنوات الخمس إن أخبر الأم، وهكذا دفعت الصغيرة براءتها ثمنا لفسادهما، إحدى المعلمات تقول لدي طالبة بالصف الثالث الابتدائي، تظهر عليها آثار النشوة وكأنها في علاقة جسدية، وحين استفسرت منها اصطدمت بشكل لم أتوقعه فقد أدمنت هذه الطفلة العلاقة الجنسية مع ابن عمها الجامعي حين تخرج أمها من المنزل وتتركه معها فهو قادم من قرية بعيدة ويقيم في بيت عمه، ومنذ سنة وهو يقيم علاقة مع هذه الطفلة، والكارثة أنها تخبر صديقاتها التلميذات الصغيرات بتفاصيلها.
أعلم أيها القراء أنني أدميت قلوبكم بهذه القصص، لكن دعونا نتفق أن ألم مواجهتنا لهذه الظاهرة السيئة خير من وهم ادعاء عدم وجودها.

سنكمل الأسبوع القادم - بإذن الله تعالى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي