مؤشرات العرب لا تدل على شيء

قطاع الإحصاءات والمعلومات العامة العربي (هذا إن جاز لنا أن نطلق عليه قطاعاً)، في أزمة دائمة. وهي تتفاوت بين بلد وآخر. هناك بلدان يمكن الاعتماد على إحصاءاتها وبياناتها، عن طريق التعاطي معها بالعكس! ليس لأنها لا تقدم أرقاماً صحيحة، بل لوضعها أرقاماً تتطلبها الحالة أو المرحلة! أو من تلك التي تصب في مصلحة الحكومات! وهناك أخرى ينقصها العمل المؤسساتي ومعه الأدوات التي تكفل نتائج مقبولة، وهي في النهاية تقوم بدور تجميلي أكثر منه واقعيا. والسبب يعود أساساً إلى حالتها التقليدية، وبالتالي يبقى دورها تقليديا باهتا، يواجه صعوبة في أن تقبل عوائده جهات محايدة تبحث بالفعل عن الأرقام والإحصاءات والمعلومات الخاصة والعامة. ويظهر الأمر بوضوح، من خلال الإحصاءات التي توفرها المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية. ففي قوائم هذه المنظمات، تلاحظ مباشرة الإشارة التقليدية ''لا تتوافر معلومات''، إلى جانب عديد من الدول العربية.
تتحمل الحكومات بشكل عام مسؤولية تردي أوضاع مصالح الإحصاءات والمعلومات، وفي أغلب الحالات لا تحصل هذه المصالح على الدعم اللازم للقيام بمهامها على أكمل وجه. معظم أدواتها قديمة، ومخططاتها بدائية، وطرق إجراء الإحصاءات تعود إلى أوائل القرن العشرين. ورغم أن التكنولوجيا المتجددة باتت أقل تكلفة مما كانت عليه من قبل، إلا أن معظم هذه المصالح لا تستخدمها. وحتى في بعض البلدان التي توفر الحد المعقول من الدعم، فإن المصالح التي تتلقاه لا ''تشتري'' به الأدوات اللازمة، ولا تعتمد أنظمة التدريب المتطورة. هناك بعض المؤسسات الدولية توفر الخبرات في هذا المجال بصورة شبه مجانية، غير أنها غالباً لا تجد حاضناً عربياً لها. والمؤسف، أن هناك كوادر عربية يمكن بالفعل أن تخوض غمار عالم الإحصاءات والمعلومات العامة، لكنها تواجه كثيرا من العراقيل، بعضها عن قصد، وبعضها الآخر عن تقاعس!
ليس هناك وسيلة أفضل لمواجهة الاستحقاقات كلها تنموية كانت أم غير ذلك، إلا بقدر مطلوب من الإحصاءات العلمية والعملية القاطعة. البطالة، الفقر، الاحتياجات المعيشية، التعليم ومخرجاته، سوق العمل، الاستهلاك، النمو السكاني، الوافدون، المهاجرون، الصحة، الأمراض، المواصلات، السياحة.. إلى آخر الحراك العام، تدخل كلها ضمن النطاق الإحصائي. وإذا لم تتوافر المعلومات اللازمة، بأرقام قريبة من الواقع، فإن مواجهة المشكلات الناجمة عنها تكون صعبة، بل في بعض الحالات مستعصية. كيف يمكن ''على سبيل المثال'' توجيه الحراك التعليمي، إن لم تكن هناك إحصاءات تظهر بوضوح حقيقة مخرجات التعليم؟ وكيف يمكن وضع سياسة صحية فاعلة، إذا لم تكن الأرقام حاضرة فيما يتعلق بعدد المصابين بالأوبئة أو الأمراض المستعصية والموسمية وغيرها؟!
من ضمن المشكلات التي تواجهها البلدان غير الراشدة في مسألة الإحصاء، أنها تبني خططها وتنفذها وفق أرقام قديمة تعود بالفعل لعقود! وهذه مصيبة لا تقل أذى عن المصائب الناتجة من إحصاءات غير دقيقة، أو تم التلاعب بها. نحن في هذه الحالة، أمام إعادة إنتاج مؤشرات تعود لعشرات السنين، جرت خلالها تغييرات مفصلية. لا شك في أن بعض البلدان ''خصوصاً الخليجية'' قامت في السنوات القليلة الماضية بخطوات جيدة على صعيد تمكين نفسها إحصائياً، وأنتجت سلسلة من الإحصاءات والمؤشرات يمكن الاعتماد عليها، أو على الأقل الاسترشاد بها. غير أنها لا تزال في البداية، ولن تختصر الزمن إلا باهتمام حكومي مجرد وشفاف في هذا القطاع المحوري، الذي ربما يقدم إنتاجاً ليس مرغوباً لدى الحكومات، لكن لا غنى عنه في الوصول إلى أفضل الحلول بأقل الخسائر الممكنة. إنها عملية تستند إلى الحقائق وليس لها علاقة بالتمنيات، كما أنها باتت جزءاً من التنمية والصناعة على اختلاف قطاعاتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي