والآن .. الشهادات الوهمية تحتضر
خلال السنوات الأربع الماضية بلغ عدد المكاتب والمؤسسات التي تم إيقافها عن ممارسة بيع الشهادات الوهمية والترويج للجامعات غير المعترف بها 310 في جميع مناطق المملكة، وقد تمت إحالة أصحاب تلك المؤسسات والمكاتب إلى الجهات المختصة في وزارتي الداخلية والتجارة، لمحاسبة القائمين على هذا النشاط غير القانوني، في حين تمت معالجة حالات التزوير أمام هيئة التحقيق والادعاء العام لمن مارسوا التزوير أو تعينوا بموجب تلك الشهادات، وهي قضايا جنائية تتجاوز حدود التكسب بالكذب والاحتيال إلى تعمد الضرر بالغير، خصوصا في التخصصات الخطرة مثل الطب والصيدلة والهندسة والمقاولات ونحوها.
إن ادعاء الحصول على شهادة غير صحيحة فيه تعريض أفراد المجتمع للخطر وعلى وجه الخصوص التخصّصات العلمية التي تخول لهم التعامل مع الآخرين، باعتبارهم متخصّصين، حيث يحصل أولئك المزيّفون على فرص العمل وممارسة أنشطة وأعمال وهم غير مؤهّلين لها علمياً وعملياً، في حين يدفع المجتمع فاتورة هذا الغش والتحايل، حيث هناك ضحايا سواء أكانوا أفراداً أم جهات، ولذا فقد تبنى مجلس الشورى مشروع نظام تتم صياغته ودراسته من قِبل وزارة التعليم العالي، من أجل حماية المجتمع ومؤسسات الدولة والقطاع الخاص من الشهادات المزيّفة وحامليها، وذلك للحد من هذه الظاهرة.
إن تلك الأخطاء الطبية الفادحة التي حصلت وتحصل في المستشفيات والعيادات يقف خلفها كثير من أولئك الدخلاء في كل عمل سوّقت فيه تلك الجامعات والمراكز والمعاهد شهاداتها، ولا يقل خطورة عن ذلك سائر التخصّصات الأخرى. وقد تكون مواجهة هذه الظاهرة متأخرة بعض الشيء، إذ الواجب أن توجد آلية يتم من خلالها الرجوع إلى وزارة التعليم العالي للتأكد من كل شهادة صادرة من خارج المملكة، فالجهات التي وظّفت أولئك الأشخاص فتحت الباب على مصراعيه، بل اعترفت ضمنياً بصحة شهاداتهم، وإن وزارة التعليم العالي بالذات مطالبة اليوم قبل الغد بممارسة دور رقابي صارم، لحماية المجتمع والأفراد وجودة الأعمال والخدمات المقدمة، وملاحقة أصحاب تلك المكاتب والعاملين فيها وهم غالبا من غير السعوديين، حيث توجد لديهم صلات ببلدانهم تمكنهم من التسويق لتلك الشهادات والجامعات.
إن واقع الشهادات الوهمية والمزيفة وغير المعترف بها في المملكة يؤكد أن هناك تسويقا ضخما لتلك الشهادات، وصل إلى حد شن هجمات من قبل جامعات من الخارج أصابها الإفلاس، فبحثت عن مشترين لشهاداتها وقدمت لهم تسهيلات في الشراء بلغ حد التقسيط، وإن كثيرا من مرتادي تلك الجامعات فشلوا مع أنفسهم ولم يجدوا العزيمة ولا التفرغ ولا القدرة على تحصيل العلم فتحولوا إلى التجمل بالشهادات، وإن هناك من العاملين في القطاعات الحكومية من تم تعيينهم بموجب شهادات غير صحيحة، وترى وزارة التعليم العالي أن المسؤولية هنا والدور الأكبر يقع على مرجع عملهم لتدقيق مؤهلاتهم والتأكد من صحتها، وعرض تلك الشهادات على لجنة معادلة الشهادات التي من المستحيل أن تكون قد عادلت أي مؤهل غير صحيح.
هناك دور للهيئات المتعلقة بالتخصصات كالهيئة السعودية للمهندسين وهيئة التخصص الصحية، حيث يكمن دورهم في التوثيق للأجانب وتصنيفهم وهذا يشمل السعوديين أيضا، وإذا كان الحديث عن الشهادات الوهمية قد ظهر قبل سنوات معدودة فإن متابعة الجهات الحكومية والخوف من العقاب والتشهير سيجعلان من هذه الظاهرة حديثا عن ماض بلا رقيب على الشهادات العلمية.