«تويتر» حياتنا الأخرى؟
في كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي ٢٠١٢ أصدر ''تويتر'' إحصائية لعدد الحسابات النشطة في ''تويتر''على مستوى الدول العربية فكانت النتيجة أن العدد الأكبر من الناشطين سعوديون، تليهم الكويت ثم مصر. ولو فكرت في الأسباب لأرجعت ذلك إلى حجم السعودية وعدد سكانها، إضافة إلى قدرتهم المالية على امتلاك أجهزة ذكية تجعل استخدام ''تويتر'' أيسر ومتاحا أكثر من دول عربية أخرى قد يكون فيها عدد السكان نفسه أو يزيد لكنها في مستوى اقتصادي أقل.
أما الإحصائية الجديدة التي صدرت في تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٣ وقام بها قسم الإحصائيات في موقع Business insider فتقول إن السعودية تصدرت دول العالم من حيث نسبة مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي ''تويتر'' النشطين مقارنة بحجم مستخدمي الإنترنت. وأوضحت أن ٤١ في المائة من مستخدمي الإنترنت في المملكة يغردون على ''تويتر'' بانتظام. أما إندونيسيا والفلبين فقد احتلتا المرتبتين الثانية والثالثة على التوالي، وجاءت جنوب إفريقيا رابعا ثم تركيا في المرتبة الخامسة.
أن تحتل السعودية المرتبة الأولى في استخدام ''تويتر'' عالميا يجعل التساؤل مشروعا، أكثر من كونها احتلته على مستوى الدول العربية. الإحصائية مقلقة من حيث الفكرة والنتيجة، فما الذي يريده السعوديون؟ وما الذي يجعل الضخ اليومي في ''تويتر'' يتفوق عالميا؟ إن لم يكن ''تويتر'' هو الملتقى الحر لمختلف الاهتمامات الثقافية والرياضية والأدبية والعلمية والسياسية لما حاز اهتمامنا وأوقاتنا بهذا الشكل. إذا توافر البديل المتعدد لاحتواء الاهتمامات من ملتقيات وديوانيات ومؤسسات لانفتحت سماءات الحوار أكثر وكانت أكثر إيجابية واتساعا، وبالتالي أكثر قبولا للتعددية وأكثر ممارسة للحوار وآدابه.
المؤسسات الاجتماعية والأنشطة الثقافية والأدبية والفنية على أرض الواقع شبه معدومة إن لم تكن صالونات بجهود فردية ومثلها على مستوى الرياضة وباقي الهوايات. طاقات بشرية هائلة إن لم تكن لها مؤسسات وأماكن تمارس فيها هواياتها واهتماماتها في ''الواقع'' فلا بد لمكان آخر في الافتراض أن يحملها.
حتى أولئك الذين يتساءلون أين يقضون إجازة نهاية الأسبوع؟ وقد لا يهمهم ولا يشغلهم كثرة كلام المتوترين لأنهم طوال أيام الأسبوع في أعمالهم ومسؤولياتهم يكدحون، يريدون فقط وجهة يذهبون إليها تختلف عن السوق والمطعم.
لو وجدت لسؤالهم إجابة حقيقية عن أماكن لقضاء إجازة نهاية الأسبوع، لكان في ذلك أيضا مخرج حقيقي للمأزق التويتري الذي يضع فيه السعوديون كل شؤون حياتهم حتى في شأن القضاء والمحامين لم تسلم منه الاشتباكات الاجتماعية!
ماذا بعد تويتر؟
يقول داود الشريان في لقائه مع المديفر إن السعوديين كأنهم للتو قد اكتشفوا الكلام، فالكل صار يتكلم وكأن الكلام اختراع جديد.
ويقول المستشار محمد الدحيم في لقائه أيضا مع المديفر إنه لا يلي عصر المعلومة إلا الحكمة، وما حال الناس في العالم كله من لغط وتنافر ومشاحنات إلا لأنه لم يسبق حاضرنا الآن إلا عصر المادة.
إذا وجدت فعليا الفضاءات الرحبة والممارسة الحقيقية للحوار في مؤسسات المجتمع ونشاطاته دون إقصاء ودون أن تكون دفة الوجود المجتمعي في يد فئة معينة من الناس، كان المجتمع ''أكثر وصالا'' مع نفسه وأروع سماحة وقبولا وأقل نزاعا وأكثر وضوحا ومعرفة بالواجب والحقوق على حد سواء.