«الشورى» وتوصية اللائحة الشرعية للمنكرات

هيئة الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر جهاز حكومي في المقام الأول، وهو يقوم بوظيفة مهمة لها أبعاد دينية واجتماعية كبيرة، وبسبب هذه العلاقة المباشرة مع المجتمع نشأ كثير من الخلافات في وجهات النظر حول عمل الهيئة وطريقة تنفيذها مهامها، وتعدى ذلك إلى قيام الهيئة بمباشرة أعمال جهات أخرى مثل وزارة التجارة والأمانات، بل حتى الدوريات الأمنية، فقامت بأعمال مصادرة السلع من المحال التجارية بلا سند قانوني والمطاردة التي نتج عنها عدد من الحوادث. فمن المهم إذاً إعادة النظر في العلاقة بين المجتمع وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن المهم أن يعرف المجتمع المسؤوليات الملقاة على عاتق أفراد هذا الجهاز، وعليهم القيام بها وعلى المجتمع احترامها، من المهم أن تصل صورة إعلامية واضحة عن هذا الدور وهذه العلاقة. وهذا هو ما طالب به مجلس الشورى خلال جلسته العادية الثامنة والخمسين، بأن على الهيئة تكثيف حضورها الإعلامي لبيان رسالتها وجهودها، وأن تعمل على معالجة السلبيات التي تقف عليها، وعقد مزيد من اللقاءات مع الشباب لتطوير آليات التعامل معهم.
وكانت أهم ملاحظات المجلس التي ينبغي أن نقف سويا معها هي معالجة التصرفات الفردية التي تسيء للجهاز وتدل على حاجته إلى تأهيل الميدانيين عبر دورات متخصصة تركز على كيفية التعامل مع الجمهور والتواصل معهم. فالهيئة في حاجة ماسة أكثر من غيرها إلى دعمها بكوادر متخصصة في قضايا الشباب ومشكلاتهم وأساليب التعامل مع قضاياهم والتواصل معهم. لكن أهم التوصيات التي تطرق إليها المجلس هي وجوب أن تعمل الهيئة في إطار القضايا المتفق عليها شرعاً وليس في القضايا محل الخلاف، وأن تكون هناك لائحة للمنكرات المتفق عليها من قبل الفقهاء وأهل الاختصاص لتكون دليلاً لعمل منسوبي الهيئة، مع التركيز على المخالفات العلنية وانتهاج أسلوب الستر، اهتداء بما كان عليه السلف الصالح.
وبهذا فمجلس الشورى فعلا يضع النقاط على الحروف تماما، بخطة استراتيجية واضحة للهيئة ومعلنة، تحدد ما تم التواصل عليه مع المجتمع قبل إعداد الاتفاق على الرؤية والرسالة، وما الأهداف العامة والفرعية؟ ثم إعلانها ودعمها إعلاميا، والتواصل مع فئات المجتمع لبثها، ودعمها وإيضاحها، وما المسؤوليات؟ وما التوقعات؟ ثم يجب أن تعمل لجنة متخصصة خارج الهيئة من كبار العلماء ومن مذاهب مختلفة، لتحديد ما المنكرات المتفق عليها التي يجب على الهيئة إعلانها للناس، وأنها تمثل محور عمل الهيئة، ولا تجوز مخالفتها؟ وأن من يخالفها ستتعامل معه الهيئة بطرقها الرسمية، وقد يتعرض لتحويل قضيته إلى هيئة التحقيق والادعاء العام.
هذه اللائحة توزع على جميع المدارس وجميع المؤسسات التي تمثل ما اتفق عليه العلماء، وما تعمل في إطاره الهيئة، كما يجب أن يكون لها رابط مرجعي في موقع الهيئة الإلكتروني، بلغات مختلفة، حيث يمكن أن توزع لمن يأتي من خارج المملكة سواء في زيارة أو خلافه، حتى يستطيع أن يفهم ثقافة المجتمع وأن يتعامل معها دون أن يتعرض للمساءلة. إنها تمثل مرجعية شرعية يتم التحاكم إليها، ومن المهم وكما نصت عليه توصية مجلس الشورى أن يكون متفقا عليها بين كبار العلماء، وأن يتم تجنب ما عليه خلاف فقهي واسع، وأن تعمل الهيئة وفقا لهذه اللائحة، وألا يتم تجاوزها إلى الآراء الشخصية أو الاجتهادات الميدانية، حيث يحاسب الناس على أمر غير متفق عليه، ولا يوجد عليه نص شرعي من هيئة كبار العلماء.
إنها خطوة رائدة أن يتم تطوير خطة استراتيجية معلنة للهيئة، أو يتم تطوير اللائحة ونشرها لتوضيح العلاقة بين الهيئة والمجتمع، وأن تكون هناك آلية واضحة للتعامل مع المخالفين ومستويات من العمل والمرجعية فيه، لو تم ذلك فإن كثيرا من المشكلات والخلافات سيزول تماما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي