الرعاية الصحية المنزلية .. مفهوم عصري

احتضنت محافظة جدة فعاليات المنتدى الطبي الاجتماعي للرعاية الصحية المنزلية في نسخته الثالثة، تحت شعار ''نحو رعاية صحية شاملة''، وذلك خلال الفترة من 19 إلى 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، برعاية الدكتور عبد الله الربيعة وزير الصحة، وبتنظيم من المؤسسة الخيرية الوطنية للرعاية الصحية المنزلية.
هَدف المنتدى إلى تعزيز مفهوم الرعاية الصحية المنزلية في ظل النمو المتزايد في المملكة على هذا النوع من الخدمات الصحية، حيث تقدم وزارة الصحة- على سبيل المثال لا الحصر- خدمات الرعاية الصحية المنزلية لأكثر من 33 ألف مستفيد، باستخدام أكثر من 300 فرقة عمل متخصصة في تقديم ذلك النوع من الخدمات.
وتكمن أهمية خدمات الرعاية الصحية المنزلية في توفير المساندة اللازمة للمستشفيات العامة والخاصة بما يتواكب مع النهضة الاجتماعية والاقتصادية الشاملة التي تعيشها المملكة، التي أحدثت تغيرات كبيرة طالت شتى مناحي الحياة، ما انعكس على الزيادة الملحوظة في معدل العمر، والزيادة في نسبة المسنين في المجتمع السعودي، وكذلك الزيادة في نسبة الأمراض المزمنة، مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض شرايين القلب التاجية والسمنة وأمراض الشيخوخة على وجه العموم، بما في ذلك الزيادة في معدل أمراض السرطان، إذ تشير الإحصائيات إلى أن الزيادة في نسبة مرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، والسكتة الدماغية لفوق 60 عاماً، قد بلغت في المملكة 28، 26,5، 8,5 في المائة على التوالي.
هذه المتغيرات في المجتمع السعودي والزيادة في نسب الأمراض المزمنة عاما عن آخر بما في ذلك أمراض الشيخوخة، استلزمت تفعيل خدمة الطب المنزلي أو ما يعرف بالرعاية الصحية المنزلية في المملكة، والتعامل معها من منطلق عصري ومفهوم متطور للخدمات الصحية، ولا سيما أن مثل هذا النوع من الخدمات له مردود إيجابي اقتصادي واجتماعي، بل حتى نفسي على المريض في سرعة شفائه - بعد إذن الله. كما أن خدمات الرعاية الصحية المنزلية، أسهمت بشكل كبير في المملكة وغيرها في التخفيف على الطاقة الاستيعابية لأسرة المرضى في المستشفيات، وبالذات بالنسبة للحالات المرضية المزمنة المستقرة مثل أمراض الشيخوخة ومرض ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري، التي قد لا تحتاج إلى مستوى من العناية الطبية يستدعي وجود المريض في المستشفى، إنما يُكتفَى بوجوده في المنزل بين أفراد أسرته، وتقديم الرعاية الصحية اللازمة التي عادة ما تسهم في استقرار حالته الصحية لاعتبارات نفسية واجتماعية عديدة.
وأكدت أوراق العمل التي قدمت في المنتدى، أهمية توفير الدعم اللازم لخدمات الرعاية الصحية المنزلية والبيئة المناسبة لأن تنمو وتزدهر، ولا سيما في ظل الطلب المتنامي في المملكة على هذا النوع من الخدمات، باعتبار أن هذا النوع من الخدمات الصحية، رغم أهميته وما يحظى به من تركيز من جميع القطاعات الصحية في المملكة، إلا أنه لا يزال يواجه بالعديد من المعوقات التي تحد من قدرته على النمو والتطور.
ومن بين المعوقات التي تواجه خدمات الرعاية الصحية المنزلية، ندرة وشح الكوادر الطبية الوطنية المؤهلة تأهيلاً صحياً عالياً لتقديم خدمات صحية ورعاية منزلية بالنوعية والجودة المطلوبة، ما يتطلب اعتماد تخصصات علمية في مجال الرعاية الصحية المنزلية ضمن التخصصات الصحية في كليات الطب مثلاً، بما في ذلك منح دبلومات في التخصص ذاته.
من بين المعوقات أيضاً عدم وجود حوافز مالية وغير مالية للعاملين في مجال خدمات الرعاية الصحية المنزلية، بما في ذلك بدل طبيعة عمل أسوة بالقطاعات الطبية الأخرى، ما يضاعف من صعوبة استقطاب الكوادر الوطنية للعمل والانخراط في ذلك النوع من الخدمات.
أخيراً وليس آخراً من بين المعوقات، تدني مستوى الوعي المجتمعي بأهمية الرعاية الصحية المنزلية، حيث ينظر إليها المريض على أنها أسلوب لتهرب المستشفيات من تقديم الرعاية الصحية التي يحتاج إليها، رغم أن التجارب العملية أثبتت أن تلقي المريض للعلاج والرعاية الصحية في المنزل بين أفراد أسرته، هو الأسلوب الأمثل والأفضل مقارنة بتلقيه العلاج داخل المستشفى لاعتبارات عديدة، من بينها أن المنزل هو البيئة النموذجية الأكثر مناسبة لتلقي العلاج، وبالذات للمرضى طويلي الإقامة، باعتباره يحقق لهم الاستقرار النفسي والاجتماعي، ما يساعد على سرعة تحسن حالتهم الصحية وشفائهم.
جدير بالذكر أن من بين أبرز مؤسسات المجتمع المدني الرائدة في تقديم رعاية صحية للمرضى المحتاجين في منازلهم، المؤسسة الخيرية الوطنية للرعاية الصحية، التي تم إنشاؤها في 25 حزيران (يونيو) 1997، برئاسة الأميرة حصة بنت طراد الشعلان، حرم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – يحفظه الله-، ومن بعد ذلك تم إنشاء فرع للمؤسسة في جدة في المنطقة الغربية برئاسة الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وذلك بهدف تقديم رعاية صحية للمرضى المحتاجين إلى خدمات صحية في منازلهم، بالشكل الذي يسهم في التحسين أو المحافظة على استقرار وضعهم الصحي أو العمل على شفائهم - بإذن الله - من خلال الرفع من مستوى استقلاليتهم واعتمادهم على الآخرين.
خلاصة القول، إن المنتدى الطبي الاجتماعي الثالث للرعاية الصحية المنزلية في نسخته الثالثة، جسد أهمية ذلك النوع من الخدمات الصحية، وبالذات في ظل تنامي الطلب عليها في المملكة، والزيادة المطردة في أعداد المسنين في المملكة التي تبلغ نحو 1,57 في المائة في المتوسط سنوياً.
من هذا المنطلق وفي ظل هذا النمو، فإن الأمر يتطلب النهوض بمستوى خدمات الرعاية الصحية المنزلية في المملكة، والتغلب على المعوقات التي تحد من نموها وازدهارها، وذلك بتوفير الدعم المعنوي والمالي لها، والتخطيط المستقبلي السليم للطب المنزلي، بما في ذلك وضع المعايير والضوابط التي تكفل تقديم خدمات تطبيب منزلي عالي الجودة تحقق الهدف المنشود ''في بيتنا مستشفى''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي