«تويتر» و«فيسبوك» يغيران العالم

عاش رؤساء دول كثر على السيطرة التي منحها لهم الإعلام على الإدراك العام, والعقل الجمعي من خلال التأثير المباشر, الذي يعتمد على عناصر تختلف من دولة إلى دولة ومن حضارة إلى أخرى. صنع الإعلام أبطالاً من ورق, ورفع أسهم من استخدموه لتحقيق مآربهم مهما كانت غريبة وبعيدة عن التصور البشري. لعل هتلر أكبر من استفاد من الإعلام في نشر نظريته المبنية على تفوق جنس بشري على بقية الأجناس. فكرة تعتبر سخيفة بكل المقاييس فكيف اقتنع بها شعب تغلب عليه الثقافة كالشعب الألماني.
سؤال يجيب عنه علم النفس والاجتماع ونظريات الإعلام التي تؤكد أن العاطفة مهما خبت فهي موجودة داخل النفس البشرية, بغض النظر عن مستوى حاملها الثقافي. هذه العاطفة تميل دوماً إلى تقبل النظريات بناء على حرفية وشكل وأسلوب وخلفية مقدمها بغض النظر عن المنطق والعقلانية.
يخالف كثيرون هذه النظرية من مفهوم ''براجماتي'' بحت, لكننا حين ننظر داخلنا, سنكتشف أن الأغلبية تتأثر بـ ''الكاريزما'' والمفاهيم التي تغرسها الأسرة في سن مبكرة لتستقر في اللا وعي, حتى إن أظهر الإنسان خلاف ذلك بسبب خوفه من الأنظمة والقوانين.
إن أردنا أن نوضح حجم تأثير الإعلام في الرأي العام, فليس أفضل من الشعوب العربية شاهداً على تحول الناس من مفاهيم إلى أخرى بشكل مفاجئ, ليس عبد الناصر وصدام حسين ببعيدين عنا, بل إن الكثير من المغامرات التي شاهدناها, وشهدنا على جنونها فيما قبل وبعد كانت مقبولة ومتبناة لدينا نحن متلقي الرسائل الإعلامية في مرحلة من المراحل. لا يزال الكثير من المفاهيم الخاطئة مسيطرا على العقل الجمعي, رغم أن سيطرته ضارة على وحدة المفاهيم وسلامة التعامل مع الواقع كونها ضد المنطق والعقل والتحليل السليم للأمور.
إن الاستخدام الأمثل للإعلام لتحقيق المآرب سيف ذو حدين, وهو مجال احترافي لا بد لمن يخوضه أن يعلم عواقب فشل الرسائل الإعلامية ورد فعل الجمهور عليها. نشاهد اليوم كمّاً من المفاهيم ينتشر بين الناس فيكونون على طرفي نقيض منه رغم أن الصورة العامة واضحة.
لعل من المهم أن يكون المتفاعل مع الإعلام أكثر حذراً اليوم منه في أي فترة سابقة. ذلك أن المتلقي اليوم لديه الكثير من القنوات والمفاهيم والمروجين لكل فكرة في وسائل التواصل غير التقليدية التي يتضخم أثرها بشكل سريع، خصوصاً على الجيل الذي يصنع الفضاء الافتراضي مواقفه وردود أفعاله.
لم يكن غريباً أن يكون صناع التغيير في العالم العربي هم شباب تلقوا الرسائل الإعلامية من خلال الفضاء الإلكتروني الذي لم تفلح وسائل الرقابة القديمة في السيطرة عليه. ذلك الفضاء الذي لا يزال الكثير من صناع القرار يعتبرونه مكاناً للتسلية ولا يؤمنون بتأثيره الخطير في المجتمعات والأفراد ومستقبل الدول. كلما استوعبت الأنظمة والمنظرون والقيادات أهمية هذه القنوات كانت الفرصة لضمان النتائج المرجوة أكبر.
أستغرب كيف أن مسؤولين كبارا في الدولة لا يزالون يؤمنون بأنه ليس هناك ما يستدعي أن يتواصلوا مع الناس من خلال الوسائل المباشرة والسريعة. كيف يمكن لأعضاء مجلس الشورى أن يرفضوا التواصل مع المجتمع ''البانورامي'' من خلال هذه الوسائط. كيف يمكن لكبار السن أن يعتقدوا أنهم يسيطرون على الوضع وهم يشاهدون أن ما ينتشر في وسائل التواصل الاجتماعي يشكل المنظر العام في كل دول العالم.
الواقع أن المملكة هي ثاني أكبر دولة في العالم من حيث نمو عدد الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي, بل إن نسبة النمو التي تجاوزت 3000 في المائة في عدد هذه الحسابات مؤشر مهم على أن هذه المواقع ستكون الأهم في قولبة الرأي العام, وأنه ما لم يتنبه لذلك المسؤولون عن مفاصل الدولة والعمل العام فهم ينتظرون حلول أزمة تلو أزمة سببها التغافل أو تجاهل الوضع العام والمؤثرات التي تشكله في العالم الجديد.
كانت المداخلات التي سمعتها أثناء مشاركتي في برنامج ''المجلس''، التي حاول أصحابها التقليل من أثر مواقع التواصل الاجتماعي وشبكاته باعتبار حساباتها وهمية ولا تعبر عن المجتمع, أقول كانت المداخلات بعيدة عن الواقع, بل تجسد حقيقة وجود فصام في المجتمع بين الفئة الشابة وكبار السن. هذا الفصام أنتج الكثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية في الدول العربية التي يرفض كبارها الإصغاء للجيل الجديد باعتباره يجهل ما له وما عليه, أو أنهم يعيشون في عالمين مختلفين.
لقد آن الأوان لدراسة التغييرات التي سيطرت وتسيطر على المشهد العام في العالم والتفاعل الإيجابي مع التحديات التي أنتجها التواصل الحر والشبكات المفتوحة في مجالات التربية والسلوك المجتمعي, وفي مجال إدارة الدولة والتعامل مع مختلف قضاياها, حتى لا تجعل منا الغفلة ضحية الأحداث المفاجئة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي