Author

شيلي في مقابل الأرجنتين

|
كثيراً ما يعقد أهل الاقتصاد المقارنات بين اقتصادات متماثلة لعزل تأثير فارق معين. ويوفر هذا النهج صورة مقنعة للدور الذي تلعبه عوامل بعينها في دفع أو تقويض نجاح أي اقتصاد. على سبيل المثال، رغم الجذور التاريخية والثقافية المشتركة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية فإن المجتمع في كل من البلدين يختلف عن الآخر تمام الاختلاف. فمستويات المعيشة في كوريا الشمالية متدنية إلى حد كبير بسبب حكمها الشيوعي واعتماد اقتصادها على التخطيط المركزي، الذي يتعارض بشكل حاد مع الحكم الديمقراطي والاقتصاد الرأسمالي المختلط في كوريا الجنوبية. وتُعَد تجربة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية مثالاً آخر كاشفا. فعندما سقط سور برلين بعد جيلين فقط تقريباً من نهاية الحرب، كانت مستويات المعيشة في ألمانيا الشرقية الشيوعية لا تتجاوز 20 في المائة من المستوى الذي تحقق في ألمانيا الغربية الرأسمالية. وبوسعنا أن نستخدم النهج نفسه لفهم الأسباب وراء ازدهار شيلي في حين تتقدم جارتها الأرجنتين بخطى متعثرة. ورغم أن الائتلاف الحاكم في شيلي، خاصة وزير المالية فيليبي لارين، بذل الكثير من الجهد لتعزيز أداء الاقتصاد الكلي في البلاد، فإنه ناضل أيضاً بحثاً عن مرشح رئاسي قوي؛ الفضيحة التي أعقبت معركة داخلية شرسة على الخلافة، مع إرغام تحالف يمين الوسط على خوض الانتخابات بالمرشح الذي يُعَد ثالث أفضل خيار. وقد فازت زعيمة تحالف يسار الوسط ورئيسة الحزب الاشتراكي ميشيل باشيليه (التي سبقت بينيرا في منصب الرئاسة) بالجولة الأولى بسهولة، ومن المتوقع أن تُنتَخَب في الشهر المقبل. من ناحية أخرى، وعلى الرغم من توسيع صلاحيات منصبها، فإن رئيسة الأرجنتين كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، التي أتت خلفاً لزوجها الراحل نستور كيرشنر في عام 2007، يحظر الدستور ترشحها لولاية ثالثة متعاقبة. ويشير فشلها في الفوز بأغلبية الثلثين في البرلمان اللازمة لتعديل الدستور، فضلاً عن نجاح مرشحي المعارضة في الانتخابات النصفية الأخيرة، إلى أن الأرجنتين ربما تكون على وشك التحول نحو اليمين في عام 2015. والآن إلى الاختلافات. إن السياسات الاقتصادية في البلدين تختلف في نواح بالغة الأهمية، فقد تبعت شيلي عادة سياسات معقولة اقتصاديا ومبدعة في بعض الأحيان. على سبيل المثال، لابد من إنفاق العائدات من النحاس، التي تشكل 13 في المائة من الميزانية، على أساس سعر التخطيط الطويل الأجل المحقق بشكل مستقل، مع تراكم الإيرادات الفائضة في صندوق يستخدم عندما تسجل أسعار النحاس انخفاضاً حادا. من المؤكد أن المقترحات التي قدمتها باشيليه بزيادة الضرائب على الشركات، وزيادة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية، وتعظيم سيطرة الحكومة على معاشات التقاعد، وإعادة النظر في مشاركة شيلي في الشراكة عبر المحيط الهادئ. كلها تهدد بالتراجع عن الكثير من هذا التقدم. ولكن إذا ارتدّت، بمجرد وصولها إلى المنصب، إلى السياسة الأكثر وسطية التي انتهجتها في ولايتها السابقة، فربما تتمكن شيلي من الحفاظ على زخمها الاقتصادي. أما الأرجنتين فهي تنخرط على النقيض من ذلك في سلسلة من الانقلابات الاقتصادية التي تجلبها على نفسها. ومع سكانها الذين يبلغ عددهم ضعف عدد سكان شيلي. والآن يبلغ الفارق بين سعر صرف الدولار الرسمي وسعره في السوق السوداء في الأرجنتين نحو 60 في المائة. ومن غير المستغرب أن يعطيك كل بائع تجزئة تقريباً في بوينس آيرس سعر الدولار وسعر البيزو. ومن الممكن أن نفسر هذا جزئياً بارتفاع معدلات التضخم، والتي تبلغ وفقاً للمحللين المستقلين نحو 25 في المائة وهذا أكثر من ضعف التقديرات الرسمية التي لا تتجاوز 10 في المائة. ومنذ غيرت كيرشنر كبير المسؤولين عن إحصاءات التضخم في المعهد الوطني للإحصاء في عام 2007، كانت أرقام التضخم الرسمية في الأرجنتين أقل بشكل واضح من التقديرات الأخرى. (وقد وجهت انتقادات إلى أرقام التضخم في شيلي أيضا، ولو بدرجة أقل كثيرا، والواقع أن معهد الإحصاء التابع للدولة في شيلي أكثر استقلالاً عن الحكومة من نظيره في الأرجنتين بدرجة كبيرة). ولا يملك المرء إلا أن يتمنى أن تتعلم الأرجنتين من جارتها في غربها، وأن تنظر إدارة باشيليه في شيلي إذا عادت إلى السلطة عبر جبال الأنديز، فتدرك إلى أين قد تدفع البلاد مقترحاتها، وتغير المسار قبل فوات الأوان. خاص بـ «الاقتصادية» حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.
إنشرها