التعليم .. وإجازات المطر والغبار
إن أهم الركائز التربوية التي يُفترض أن تتجذر في وجدان الطلاب هي الحرص على الانضباط في الحضور إلى المدرسة بكل ما يعنيه من إحساس بالمسؤولية في الأهمية القصوى للعلم ومتابعة الدروس وأداء الواجبات والالتزام بمواعيد الحصص إلى حين الانصراف.. وترسيخ ذلك كنسق جوهري بالممارسة الدؤوبة ومهمة أساسية للإدارة المدرسية، من دونها يتشوش ذهن الطالب ولا يعود للانضباط عنده معنى ولا قيمة.
لقد تواترت خلال السنوات الماضية، ظاهرة عدم الانضباط في احترام اليوم الدراسي والالتزام به. من قِبل الطلاب في التعليم العام.. وأبدى الكثير من أولياء الأمور تذمرهم من ظاهرة تخلف أبنائهم عن المدارس والاحتجاج بأنها أشعرتهم بأنه ليس من الضروري حضورهم إما لمناسبة وإما لنشاط خيري وإما ليوم مفتوح وإما لرحلة وإما لأن المنهج قد انتهى والوقت للمراجعة.. إلخ. ناهيك عن التغيُّب أياماً تسبق إجازات الأعياد والربيع وأياماً تلحقها، مثلما صار أمراً محسوماً أيضاً، أنه بمجرد أن تلوح سحابة في الأفق أو تعصف ريح أو تثور ذرات من غبار فذاك يعني بالنسبة لأبنائنا إغلاق المدارس.. وهو ما يحدث فعلاً.. فالطقس صار عندهم شماعة رسمية لعدم الذهاب للمدرسة، بل الابتهاج للغياب!!
هذا التوجّه في المسارعة إلى تعطيل الدراسة لأسباب الطقس وتقلبات المناخ يؤسِّس في أذهان أبنائنا استخفافاً لا شعورياً بعدم أهمية الحضور للمدارس ويعمّق فيهم الاستهانة بالعلم ومقامه وتفضيل البلادة والتبطل والتسيُّب عليه.. الأمر الذي ينبغي معه أن نعمل على إدارة أذهانهم في الاتجاه المعاكس وبما يرسخ فيهم الأهمية القصوى للعلم التي تقتضي التحدي والمجازفة حتى ضد ما هو طارئ، فيما لو تطلب الأمر ذلك.. فالشعوب الأشد قسوة في تقلبات الطقس، من ثلوج ورياح وزمهرير وأعاصير وبراكين وزلازل لا تعطل صروحها العلمية بسببها، إنما تظل أولوياتها أن يذهب الطلاب للمدارس كباراً وصغاراً.
نعم.. هناك طرق سيئة، هناك سائقون لا نثق بهم.. هناك غياب تام للمواصلات العامة وغير ذلك من التبريرات.. لكن تلك مسائل علينا أن نجد لها حلولاً دون أن نعلق عليها معاذيرنا تاركين للطقس أو سواه توجيه سلوكنا التربوي.. إننا حين نفعل ذلك، نعفي أنفسنا من مهمة هي أصلاً مهمتنا التي ليس من المُفترض أن يقف دونها أي عائق.. فكيف ونحن نهرول مع شبح غيمة أو ذرة غبار أو لفحة هواء لنسمح لها كي تقرّر نيابة عنا تربية أبنائنا على تهاون وتسيُّب هما أبعد ما نريده لهم؟!