تساؤلات حائرة بعد اتهامات «السناني» الجائرة
عاد بي اللقاء الذي عرضته الثامنة مع واحد من المتهمين في تفجيرات القاعدة بالمملكة لتلك الفترة المؤلمة التي أدانها كل ذي عقل وبصيرة. لعل البعض ترددوا في التنديد بداية عندما اقتصر التفجير على مجمعات سكنية يعيش فيها أجانب من الجنسيات الأوروبية والأمريكية، برغم توضيح العلماء الفاصل في شأن المعاهدين ومن دخلوا البلاد بناء على عقود وعهود ومواثيق تضمنها الدولة التي تحكم الشريعة الإسلامية، وهو ما حددته المادة الأولى في النظام الأساسي للحكم وما لا ينكره أحد من العقلاء في أي مكان من العالم.
لكن عندما بلغ الحال بتلك الفئة الضالة إلى تدمير منشآت تتبع الدولة ويعمل فيها مسلمون فقط من أبناء جلدتنا، بل وأول ما يحدد داخلها هو موقع المسجد، التي تتوقف خدمتها أوقات الصلاة، فلم يعد لمعتذر عذر.
لم يتوقف التفجير والتدمير والإرهاب الفاشي الذي سلكته هذه الفئة عند حد، ولعل سابقيهم من أمثال جهيمان وفئته، كانوا القدوة لمنفذي عمليات التفجير والتفخيخ والتغرير بصغار السن ومحدودي المعرفة الشرعية، واستغلال حماسهم وقلة علمهم لتكليفهم بالأعمال الدنيئة التي لا يبررها إلا مفترٍ تجاوز حدود ما يقبله أي عقل.
توقفتُ عن محاولة فهم ما يروج له الرجل، بمجرد أن شاهدتُ المقطع الأول الذي أوضح فيه نشأته وتعامله مع والديه وأسرته ورفضه كل وسيلة يمكن أن تربطه أو أسرته بالعالم. لقد كان الرجل يهذي ويتحدث بلسان عجيب غريب، يؤكد قناعته بما يفعل ويعمم القناعة على أسرته وأبنائه وبناته، يدفع بابنه إلى السير في نهج التكفير والتفجير وإلغاء المنطق والعقل. كنت متأكداً أن اللقاء سيبرز المزيد من الشرور والأخطار على سمع وعقل وعين المشاهد.
خرجت بعد اللقاء بتساؤل كبير هو: لماذا قامت قناة مثل إم بي سي بمثل هذا الحوار. خصوصاً أن مواقع التواصل الاجتماعي انشغلت به، وبدأ الصغار والكبار يستفسرون عن كنهه ومنطلقاته وسبب ديمومة الانتماء إلى هذا التيار الشاذ لدى الرجل بعد ما يقارب 20 عاماً من سجنه. لم أجد ما يشفي غليلي، وإنما اكتشفت أن الرجل أطلق من الاتهامات ما يحتاج إلى التوضيح من العلماء والدعاة، وهو ما لم أجده سوى في رسالة وصلتني من صديق بعد العرض بخمسة أيام.
رسالة تبرّئ العالم الجليل الذي شهد له العالم بأسره من فرية افتراها عليه السناني، وهي الفتوى بجواز لبس الصليب من قبل رموز الدولة. إذ نفى العالم الجليل ذلك وأكد أنه محض افتراء قبل أكثر من 17 عاماً. إن تبني هذه الفرية على العالم الجليل كان جزءاً من عدة اتهامات وافتراءات وجهها الرجل إلى أكبر علماء العصر الحاضر، وهما الشيخان الجليلان عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحمد بن صالح بن عثيمين - رحمهما الله.
بغض النظر عن الفارق الشاسع بين الشيخين وهذا ''السناني'' في العلم الشرعي، ورغماً عن كونهما مرجعين للمسلمين في كل أنحاء العالم عندما تشتد الفتن وتختلف الآراء، لزهدهما وعلمهما وصدق حديثهما، فإنه من المقبول أن يراجع الشخص فتوى العالم على أن يكون ذلك بطريقة مهذبة تحترم مقام العالم. إن من شاهد طريقة حديث السناني عن الشيخين الجليلين، يستغرب كيف يمكن لرجل يصلي ويصوم ويعتزل العالم المادي بهذا الشكل أن يشتم العالمين ويتهمهما في أمانتهما وعلمهما، ثم يكذب عليهما.
كان السناني يريد أن يهدم كل مكونات الوطن، فيتهم العسكريين والمدنيين والعلماء ويبيح دماء المسلمين بتهم ما أنزل الله بها من سلطان، بل مجَّد في الوقت نفسه فئاماً اتفق الناس على فساد مذهبهم واشتهار مخالفاتهم بعد سنين من الجهل الذي غذاه السناني وأمثاله لمجرد رؤية خاصة لا تستند إلى علم شرعي أو تقديرٍ للمصالح الأهم أو إيمان بضرورة الوحدة الإسلامية في وجه التحديات.
ليس هناك مجتمع خالٍ من الانحراف، فحتى عصر النبوة كان فيه المخالفون وكانت فيه الجريمة والتقصير، بل إن العصور الأولى شهدت قتال المسلمين بسبب اختلاف الرؤى والمفاهيم، ولم يكفر أحدٌ أحداً ولم يبح أحد دماء النساء والأطفال والشيوخ، ولم يسفه أحد منهم العلماء الراسخين.
إن فساد الفهم للمعاني الشرعية والربط المبني على هوى النفس لمفاهيم مثل إرهاب العدو، والأمر بالمعروف، وطاعة ولي الأمر المسلم لا تزال تسيطر على عقول كثيرة، وتدعمها جهات إرهابية تعيش خارج السجون. أثبت ذلك ما اكتشفناه بعد مقابلتين من شخصين آخرين أكدا أن هناك أيدي خفية تهدد من يعلنون توبتهم عن هذا النهج المنحرف وتهدد أسرهم بالقتل والتنكيل، فعدت لأتساءل لماذا عرض اللقاء؟