هل المواطن رجل أمن؟
بيّت الإيرانيون الذين قدموا في موسم الحج نوايا خبيثة تهدف إلى إثارة البلبلة وتهديد أمن الحجاج بناء على توجيهات فاسدة تلقوها من سادتهم. خرجوا في اليوم السابع من شهر ذي الحجة عام 1407 هـ في مسيرة تهدف للدخول إلى المسجد الحرام وغلق أبوابه وتنفيذ مخطط أعدته حكومتهم آنذاك. توفي نتيجة هذه الغوغائية أكثر من 400 شخص، وهاجم المتظاهرون رجال الأمن الذين كانوا ممنوعين من استخدام السلاح تقديساً للمكان والزمان.
لم ينتظر المواطنون أن يسمح لهم بالتعامل مع هذه المؤامرة، فخرجوا لمنع هذه المسيرة بالحسنى، حاول عدد كبير من الحجاج والمواطنين أن يقنعوا الإيرانيين بالتوقف عن هذه المسيرة ومراعاة الأطفال والنساء والشيوخ الذين أتوا لأداء فريضة الحج، لكنهم رفضوا، وفي مرحلة معينة بدأ الإيرانيون باستخدام السواطير والسكاكين والحجارة للاعتداء على رجال الأمن. قام مواطنون كثر بأعمال بطولية في محاولة إيقاف هذا الاعتداء الصارخ على حرمة بيت الله، فتعاملوا مع المعتدين بكل الوسائل المتاحة لهم، وهو ما أدى إلى إيقاف المعتدين بعد فضل الله، ثم مساهمة رجال الأمن الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة.
تبنى الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - عبارة مهمة جداً وهي ''المواطن رجل الأمن الأول''، وهي من العبارات التي نحتاج إلى محاضرات وأطروحات لتفنيدها وتعريف مكامنها. إن هذا المفهوم هو مفهوم عالمي، بل إن بعض الدول التي تعاني نقصا في تعداد أفراد الأمن تشجع مواطنيها على تكوين جمعيات مراقبة الأحياء، وهذه الجمعيات تقوم بالمراقبة والإبلاغ عن كل الملاحظات، بل إنها تتصرف بعض الأحيان حينما يكون الخطر داهماً ولا يمكن انتظار الجهات الأمنية.
تمنيت لو تبنّت وزارة التربية والتعليم شرح المفهوم للطلبة من خلال مواد التربية الوطنية التي يدرسها أبناؤنا وبناتنا في كل المراحل الدراسية، بل لو كانت المدرسة والمسجد قريبين من المواطن لكانت هناك حالة من الرقابة الأمنية التي تضمن سلامة الأحياء وحماية سكانها.
مهما حاولت وزارة الداخلية أن تغطي المساحات الشاسعة من هذا البلد برجال الأمن فلن تتمكن ولو وظفت عشرات أضعاف ما يوظفونه من رجال الأمن اليوم. هذا بعيداً عن التزامات مهمة أخرى تضغط على الوزارة وأهمها الاستهداف الخطير للدولة بالمخدرات والتهريب بكل أنواعه. على أن الجهاز الأمني بحاجة للمزيد من التطوير من خلال استخدام أوسع للتقنية وتجهيزاتها التي نراها في أغلب دول العالم كوسيلة لخفض التكلفة وتقديم الخدمة الرائدة في الوقت نفسه.
انتشرت خلال الأسبوع الماضي مقاطع كثيرة تظهر العلاقة القوية بين المواطن ورجال الأمن خصوصاً عندما واجه المسؤولون عن التعامل مع العمالة المخالفة للنظام مقاومة على شكل لم يكن متوقعاً. ظهر في الساحة الكثير من صور الشجاعة والفداء التي ميزت المواطن السعودي في مواقف كثيرة، أكثرها شهرة ما حدث في حج عام 1407هـ.
إذا كانت المقاطع التي شاهدناها صحيحة، وإذا كانت المعلومات التي ظهرت على السطح دقيقة، فإنني أحيي جهود المواطنين الذين أسهموا في إيقاف عمليات الاعتداء على رجال الأمن التي وصلت إلى تخليص بعضهم من مواقف خطرة نتجت عن محاولات التعامل مع الوضع بإنسانية. على أن الاحترافية الراقية التي ميزت تعامل رجال الأمن ضمنت انخفاض الإصابات والوفيات التي كانت نتيجة اعتداءات المخالفين التي رد عليها في بعض الأحيان مواطنون.
لا يمكن أن نتصور أن يقف المواطن مكتوف اليدين وهو يرى مجموعة من الأشخاص يعتدون على رمز أمنه وحمايته؛ لأن هذا قد يصل إلى درجة الخيانة للوطن. وفي الحالة نفسها لا يمكن أن أتقبل من شخص يجلس في مكتبه المكيف بعيداً عن الحدث ويتحدث عن ''استمراء التدخل في عمل رجال الأمن''، لأن المواطنين توقفوا تماماً عندما رأوا أن رجال الأمن سيطروا على الموقف.
أعيد كل هؤلاء إلى أحداث الحرم عام 1407هـ، وأسألهم هل حدث من المواطنين تدخل في شؤون الأمن بعدها؟ لقد تصرف المواطنون من واقع غيرتهم على الوطن فقط. ثم عاد كل إلى عمله بعد أن انتهت القضية، فأرجو ألا يحمّل أحد الموضوع أكثر مما يحتمل.
عطفاً على كل ما سبق، أطالب وزارة الداخلية بأن تعد خطة توعوية واضحة المعالم تستهدف المواطنين في كل مواقعهم سواء كانوا طلبة أو أساتذة أو أئمة مساجد أو موظفين، تعمل على تنمية مفهوم المواطن رجل الأمن الأول. توضح لكل شخص أهميته في ضمان الأمن سواء من خلال الرقابة على التصرفات المنحرفة أو الإبلاغ عما يشتبه فيه من أشخاص أو أعمال. تحدد المتوقع من كل عضو في المجتمع لنضمن أن يكون المجتمع بكليته مسؤولاً عن أمنه وحمايته، وأولها الالتزام الشخصي بعدم مخالفة الأنظمة، من خلال المحاضرات والمؤتمرات والندوات والخطب والمكونات غير الرسمية كعمد الأحياء وأئمة المساجد ومديري المدارس والمعلمين ومن في حكمهم، والله خير حافظ.