توطين صناعة تحلية المياه في السعودية

لقد تضاعف عدد سكان المملكة خلال العقدين الماضيين ونمت المملكة نموا غير مسبوق، وهو ما انعكس على ارتفاع الطلب على الطاقة من جانب وعلى المياه من جانب آخر، فقد صرح وزير المياه والكهرباء بأن معدل استهلاك المياه في المملكة تجاوز ثمانية ملايين متر مكعب يومياً، 60 في المائة من هذه الكمية من مياه البحر المحلاة والباقي من الآبار الجوفية، وأن المملكة تنتج قريبا من 20 في المائة من الإنتاج العالمي من المياه المحلاة. وفي المقابل أكد المركز السعودي لقياس كفاءة الطاقة "كفاءة" أن استهلاك الطاقة في السعودية ارتفع بمعدل 5 في المائة عن الأعوام الماضية. من المدهش حقا ونحن نقرأ مثل هذه التصريحات ونعرف أننا نمتلك كل هذه الحاجة إلى الطاقة والمياه، وفي الوقت نفسه نحن أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم. ومع كل هذا فنحن أيضا لا نمتلك صناعتها بعد، والسؤال لماذا؟ فمن المفترض لأكبر منتج للمياه المحلاة في العالم أن يكون هو المطور الأساسي لتقنيات التحلية وتكنولوجيا إنتاجها وللبدائل المختلفة لعمليات التحلية في ضوء الموارد المحلية اللازمة لتحلية المياه والأبعاد البيئية لذلك.
وفي الوقت الذي تتجه فيه المملكة شرقا وغربا لجذب الاستثمارات العالمية وخاصة في مجال صناعة السيارات، فإن المجال الأهم الذي يشكل ميزة تنافسية حقيقية وحاجة أمنية اقتصادية إضافة إلى دوره المهم في التنمية المستدامة لم يزل بعيدا عن الاهتمام الصناعي بشكل لافت. فالمملكة التي تحتاج إلى كل هذه الكمية من المياه ومع شواطئها الواسعة فقد كان من المفترض أن تعمل بشكل أساسي واستراتيجي على تأمين احتياجاتها من صناعة المياه المحلاة، حيث توفر الكثير من التكاليف وتضمن تطويرها المستمر وخلق جيل متمرس في الصناعة وقادر على تطويرها باستمرار، وفي الوقت نفسه قيادة العالم في هذه الصناعة وخلق فرص وظيفية ضخمة.
لا يوجد ما يمنع من تحقيق هذا سوى أن يصبح هدفا بذاته. إننا نتملك كل المقدرة المالية على تخصيص ميزانيات كافية لمثل هذه الصناعة، ويمكن للسوق المالية وحدها أن تمول هذه المشروعات الصناعية المهمة، وهي التي تمولت بأكثر من 49 مليارا خلال عام 2012، كما أن لدينا العديد من الكراسي البحثية في مجال المياه فهناك كرسي الأمير خالد بن سلطان لأبحاث المياه في جامعة الملك سعود وكرسي الشيخ محمد حسين العمودي لأبحاث شبكات المياه في جامعة الملك عبد العزيز، ولدينا القدرة على تمويل مشاريع بحثية كثيرة في هذا الجانب. إذاً مرة أخرى لا يوجد ما يمنع من الوصول إلى صناعة متكاملة في مجال تحلية المياه، إلا أن يصبح ذلك هدفا من أهدافنا الصناعية والتنموية وأن نضعه نصب أعيننا.
وغني عن القول إن قدرتنا على تطوير هذه الصناعة محليا ستزيد من قدرتنا على بناء الكثير من منشآت تحلية المياه، وهي بدورها ستقوم بإنتاج الكهرباء والطاقة، وهو ما سيخفف من استهلاكنا للطاقة وخاصة خلال فترات الذروة، فقدرتنا على بناء هذه المنشآت ستحقق لنا الأمن الصناعي والتنمية المستدامة وستحقق لنا استثمارات مالية ناجحة، إضافة إلى قدرتها على خلق فرص وظيفية قادرة على امتصاص الفائض من العمالة. لذلك فنحن أمام اقتراح لمشروع اقتصادي استراتيجي مهم جدا، نأمل فقط أن يأخذ حظه من الاهتمام والدراسة والعناية، وستكون له مكانة بارزة على الخريطة الصناعية في المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي