حماية المستهلك الخليجي .. تنمية أيضاً
لو تم إقرار قانون حماية المستهلك في دول مجلس التعاون الخليجي، ستكون دول المجلس قد دخلت بالفعل مرحلة جديدة مختلفة على الصعيد الاجتماعي. هناك كثير من الثغرات في هذا المجال، على الرغم من الرقابة التي تفرضها الحكومات. ولا توجد روافد أهلية قوية، تمثل في الواقع في البلدان الراشدة حجر الزاوية في مجال حماية المستهلك، وعدالة السوق. ومهما كانت الرقابة الحكومية شديدة ومتطورة، فإنه لا غنى عن الرقابة الأهلية. فهي ذراع تساعد، بل تخفف الأعباء عن كاهل المؤسسات الحكومية نفسها. والجمعية العامة لشؤون المستهلك، التي تم تقديم توصية بها إلى الجهات الخليجية المعنية، خطوة مهمة. وستكون أهم، فيما لو كان لها روابطها الأهلية، في كل مجالاتها الفردية والمجتمعية والإعلامية وغيرها.
الجمعية العامة لشؤون المستهلك، ستكون الخطوة التي تقود إلى القانون الأشمل، وهو "قانون حماية المستهلك الخليجي". والقانون، يعني ببساطة، أن قوانين جديدة حاسمة ستصدر من أجل توفير أفضل أنواع الحماية للمستهلك. الآن، هناك تفاوت في هذا المجال بين دول مجلس التعاون. وعلى الرغم من أن هناك قوانين تحمي المستهلك بالفعل، إلا أنها لا تطبق كما ينبغي، وبالتالي يفلت المخالف (وهو المورد والتاجر) من العقاب الذي يستحقه. ليس كل التجار والموردين جشعين، لكن أثبتت التجارب وحالات كثيرة، أن أغلبيتهم العظمى تمارس الجشع كحالة طبيعية. وهذا ينطبق حتى على التجار والموردين في دول تفرض أقسى وأشد قوانين الرقابة وحماية المستهلك، فكيف الحال ببلدان - كدول المجلس - لا تزال جديدة على هذا النوع من القوانين؟
هناك ملاحقة إعلامية واضحة لهؤلاء، وهناك اهتمام إعلامي متصاعد بشؤون المستهلك، لكن هذا لا يكفي لإقرار الحقوق كاملة، مع ضرورة الإشارة، إلى أن الإعلام نفسه، لا يزال دون المستوى المهني لهذا النوع من القضايا، وذلك لعدم مروره بتراكم ضروري في مجال تسهل فيه عمليات الغش والتلاعب، بل الاحتيال. فحتى في الدول المتقدمة في هذا المجال، تلجأ الحكومة إلى الاستعانة بالجهات المدنية الأهلية، إلى جانب الأداة الإعلامية المهمة. وهذا يعني، أن القوانين وحدها لا تحقق الهدف، لأن مصلحة المستهلك تدخل في منظومة تضم كل الأدوات الفاعلة مع بعضها بعضا. سيوحد تأسيس جمعية عامة خليجية لحماية المستهلك القوانين المعمول بها، وسيطور ما يجب تطويره منها، استناداً إلى المستجدات التي لا تتوقف. ولا شك في أن تبادل ما هو متوافر من خبرات خليجية، يشكل أساساً، ويعطي دفعاً قوياً للتخلص من القوانين الهشة، أو تقويتها.
وقتها سيكون قانون حماية المستهلك الخليجي جاهزاً للإطلاق والعمل الفوري به.
وإذا كانت دول مجلس التعاون تتجه إلى التكامل في كل شيء، فإن المستهلك يمثل محوراً رئيساً لأي تكامل كان. وتكفي الإشارة هنا، إلى أن دول مجلس التعاون تعد من أكثر الدول استيراداً في العالم. وهذا يعني أن مجالات الغش واسعة، وطرق التحايل متوافرة، إلى جانب الجشع المتأصل لدى المستوردين الذين يوردون إلى الأسواق المحلية. والقانون المنتظر يسهم أيضاً في دعم مواقف دول مجلس التعاون على الصعيد العالمي، في مجال الغش. إنه قانون اجتماعي محلي إقليمي عالمي أيضاً. ومرة أخرى، ستكون له آثار إيجابية كبيرة للغاية محلياً، فيما لو تم دعمه ببناء علاقة مع الجهات الأهلية المختلفة.
سينشر قانون حماية المستهلك العدالة المطلوبة في المجتمع الخليجي. وهي عدالة تضمن مصالح كل الأطراف، كما أنها ستؤسِّس لثقافة ليست جديدة تماماً، ولكنها متطورة، تتطلبها التنمية الاجتماعية لأي مجتمع. وإذا ما تمت صيانة الحقوق، فلن يكون هناك متضرّر.