الفترات العصيبة

.. بالقرب من أولد ترافورد معقل الشياطين الحمر، أزاح الأسطوري فيرجسون الستار عن لوحة تحمل اسمه، تعلن تحويله من "ووترز ريتش"، إلى شارع السير أليكس فيرجسون، وقف إلى جوار اللوحة الإرشادية التي تحمل اسمه، ثم قال: "من دواعي سروري أن يسمى الطريق باسمي، والمرء لا يتوقع حدوث مثل هذه الأشياء وهو على قيد الحياة".
.. تابع الرجل الاسكتلندي الذي توج مع مانشستر يونايتد الكبير بـ 49 لقبا: كثير من أنصارنا الشباب لا يعرفون أننا مررنا بفترات سيئة، وعبرناها إلى شط الأمان والإنجاز، لقد مررنا بفترات عصيبة، ونجحنا، لأن التعامل مع الفترات السيئة هو المحك الحقيقي للناجحين".
لفت انتباهي حديث السير أليكس عن الفترات العصيبة التي لا يعرفها المشجعون الجدد للفريق الإنجليزي الأشهر على مستوى العالم، والحال نفسها تنطبق على أنصار كثر لفرق أخرى حول العالم، وجدوا فرقهم متوجة بالألقاب لكنهم لا يعرفون الأوقات العصيبة التي مر بها رجال صنعوا اسما وهيبة الفريق، ومهدوا الطرق لمن جاء بعدهم من المنجزين.
.. دائما كنت أؤمن، أن جيل صناعة الهيبة والبطولة الأولى هو صاحب فضل على من تلاه من الأجيال اللاحقة، ويظل مشاركا في إنجازاته بما ورّثه من هيبة أكل وشرب عليها اللاحقون، واستفادوا منها، وعززوها أيضا بما حققوه تاليا. وأؤمن أيضا أن الأجيال التالية لجيل المنجز الأول لا تقرأ التاريخ جيدا وتقع عيونها غالبا على الانتصار متجاوزة تاريخ الانكسارات والنكسات، بأول انتصار يغسلها من الذاكرة.
أول بطولة حققها المنتخب السعودي، كانت في سنغافورة 1984، وبها صنع هيبة آسيوية استمرت سنوات، والمنتخب ذاته فشل لاحقا فشلا ذريعا في بطولات تالية هي: كأس الخليج الثامنة في البحرين، كأس العرب في الطائف، الأفروآسيوية، التأهل إلى مونديال 1986، كأس الخليج التاسعة في الرياض، قبل أن يستعيد عافيته بعد أربعة أعوام على بطولته الأولى ويحقق بطولته الآسيوية الثانية في الدوحة عام 1988. أربعة أعوام عصيبة للغاية مرت بها الكرة السعودية، يقفزها الأنصار الجدد وهم يتحدثون عن الجيل الحالي للكرة السعودية ويقارنونه بمن سبقوه، ليس هذا فحسب بل إن المنتخب الأخضر بقي بلا إنجاز من عام 1988، وحتى نجاحه في بلوغ مونديال أمريكا 1994، وتحقيقه لاحقا كأس الخليج في نهاية العام ذاته.
في حديث السير فيرجسون، تأمل رائع دقيق في التاريخ، لم يحاول طمسه بتذكر المنجز وحده وتغييب الانكسار، بل إن الرجل الذي يسير في عقده السابع، افتخر بقدرته على مغادرة الانكسارات إلى الانتصارات أكثر من ذكره للإنجاز والاحتفال، وهذا قمة العدل والإنصاف مع الذات والتاريخ والمعاصرين والمغادرين.
جيل الكرة السعودية الحالي، يعاني الخيبات منذ خسارته التأهل إلى مونديال 2010، وما تلاه لاحقا من خروج مرير من كأس آسيا وبطولتين خليجيتين، ووداع مبكر للمونديال المقبل، ونسرف كثيرا في توجيه كلمات التقريع تجاههم، ونعايرهم بمنجز من سبقوهم، دون أن نحفزهم باستدعاء تجارب الآخرين وقراءة التاريخ جيدا، ونذكرهم أن من يعايرون بهم مروا بفترات عصيبة وخرجوا منها إلى آفاق رحبة، وغسلوا الخيبة بالإنجاز.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي