سياسة الوقوف مع الحق
لم يكن بالإمكان أن تقبل بلادنا عضوية مجلس الأمن في ظل الوضع الحالي لمجلس الأمن، الذي يتسم بالازدواجية الواضحة للمعايير، والذي يعاني خللا في أسلوب وآليات عمله. ازدواجية المعايير نتاج طبيعي لتغليب المصالح المادية، والمكاسب السياسية على حقوق الشعوب واستحقاقاتها. ونحن في المملكة لا نقبل إلا أن نكون صوت حق تحت كل الظروف وفي كل محفل نوجد فيه. بلادنا كانت أحد المؤسسين لمنظمة الأمم المتحدة، ولطالما افتخرنا بذلك، كما افتخرنا بالتزامنا بجميع مواثيقها، إيمانا منا بأن ميثاق الأمم المتحدة يحتوي على ما يضمن الأمن والسلم الدوليين. ولكن ــــ مع الأسف الشديد ــــ واقع العالم الذي نعيشه أبعد ما يكون عن الأمن والسلم. وعام بعد عام تزيد المظالم، وترتفع حدة التوترات والصراعات والنزاعات، وكأن مجلس الأمن لا وجود له. لم يكن بالإمكان أن تقبل بلادنا بالعضوية في ظل الواقع الهزيل والهش لمجلس الأمن. وحين يأتي الأمر لمنطقة الشرق الأوسط، يكون فشل المجلس سيد الموقف، فشل تنتهك معه الحقوق، وتسفك معه الدماء، وتشعل معه الحروب. ولهذا جاء رفض بلادنا العضوية غير الدائمة لمجلس الأمن.
كما يأتي بيان وزارة الخارجية كشرح واضح ومفصل لا يشوبه خلل ولا يعتريه نقص، شرح يوضح موقف بلادنا، ويفصل واقع مجلس الأمن.
بيان وزارة الخارجية عبر عن واقع مجلس الأمن حين ذكر أن ''أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين على النحو المطلوب''. كما سلط البيان الضوء على أن ''جميع الجهود الدولية التي بذلت في الأعوام الماضية التي شاركت فيها السعودية بكل فعالية، لم تسفر عن التوصل إلى الإصلاحات المطلوب إجراؤها كي يستعيد مجلس الأمن دوره المنشود في خدمة قضايا الأمن والسلم في العالم''. وحين نحاول فهم أسباب فشل محاولات الإصلاح كافة، لا نجد سوى تغليب مصالح الدول الكبرى السياسية والاقتصادية وتغليبها على جميع الحقوق المشروعة مهما بلغت درجة وضوحها، ومهما ترتب على تهميش هذه الحقوق من مظالم ونزاعات ومآس.
بيان وزارة الخارجية ذكر العالم كله بفشل المجلس في حل القضية الفلسطينية، حين ذكر أن ''بقاء القضية الفلسطينية دون حل عادل ودائم لخمسة وستين عاماً، التي نجم عنها عدة حروب هددت الأمن والسلم العالميين، لدليل ساطع وبرهان دامغ على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته''. بيان وزارة الخارجية أكد أيضا على'' فشل مجلس الأمن في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل، سواء بسبب عدم قدرته على إخضاع البرامج النووية لجميع دول المنطقة دون استثناء للمراقبة والتفتيش الدولي، أو الحيلولة دون سعي أي دولة في المنطقة لامتلاك الأسلحة النووية، ليعد دليلاً ساطعاً وبرهاناً دامغاً على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته''. أما عجز مجلس الأمن عن جريمة العصر التي ارتكبها فرعون هذا الزمان بشار ونظامه الشيطاني، فعبر عنه البيان حين ذكر أن ''السماح للنظام الحاكم في سورية بقتل شعبه وإحراقه بالسلاح الكيماوي على مرأى ومسمع من العالم أجمع ودون مواجهة أي عقوبات رادعة، لدليل ساطع وبرهان دامغ على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته''.
إن رفض مملكتنا عضوية مجلس الأمن يأتي كرسالة للعالم كله بأن المجلس قد فشل في تحقيق أهدافه التي من أجلها أنشئ، كما يأتي كرسالة بضرورة سرعة ''إصلاحه وتمكينه فعلياً وعملياً من أداء واجباته وتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين''. إن خطوة بلادنا التي تفهمتها الدول ''ومعظم الدول لا تملك شجاعة قول الحق في وجه المصالح''، والتي ستؤدي بلا شك إلى إعادة النظر في آلية عمل المجلس، وتؤدي إلى تسريع خطوات إصلاح المجلس، نتيجة حتمية لسياسة بلادنا القائمة على قول الحق ودعمه بمعزل تام عن الضغوط السياسية والاقتصادية والمصالح الآنية مهما بلغت وكانت.