«حقوق الإنسان» والثوابت

بإغلاق هيئة حقوق الإنسان السعودية باب ''تسييس'' ملفاتها، أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان، لم تغلق الباب على نفسها، بل تركته مفتوحاً دائماً للتحولات التي لا تتعارض مع المبادئ الأساسية المتبعة في المملكة. ونجاح الهيئة في ذلك، يأتي في الوقت المناسب فعلاً، وخصوصاً أن اجتماع المجلس الدولي، جاء بعد أيام قليلة من اعتذار السعودية عن قبول العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، لأسباب بات العالم أجمع يعرفها. هناك دول ممثلة في مجلس حقوق الإنسان، مستعدة دائماً للاصطياد في الماء العكر، لأسباب يعرفها العالم أجمع أيضاً. هناك جهات اعتادت أن ''تسيِّس'' ما لا يمكن ''تسييسه''، فكيف الحال مع موقف سياسي تاريخي سعودي حيال مجلس الأمن الدولي، عبّر بالفعل عن مشاعر كل الشعوب العربية، المتعارضة مع نيّات بعض حكوماتها؟!
تفهمت 104 دول كل الملفات التي طُرحت للنقاش. وهذا أمرٌ كان ضرورياً، ويعكس نجاحاً لهيئة حقوق الإنسان السعودية في هذا المجلس، المليء بالمطبات والسراديب والأزقة الخلفية. ولكن هل اكتفت المملكة بـ ''التفهم''؟ أو هل اعتبرته خط النهاية؟ أو هل تعاملت معه كانتصار كافٍ، لعدم التعاطي مع الملفات المطروحة دائماً في مجلس حقوق الإنسان؟ الجواب عن مجمل هذه الأسئلة، هو: لا. فقد قدمت أمام المجلس المذكور صورة واضحة لملفات كثيرة، وفي مقدمتها تلك التي تتعلق بالمرأة، وحقوق العاملين الأجانب في المملكة، ولا سيما في أعقاب صدور قوانين توفر لهم الحماية اللازمة من الإيذاء وحفظ الحقوق كاملة، فضلاً عن لائحة العمالة المنزلية. هذه القوانين، حسمت كثيراً من المشكلات التي كانت عالقة لسنوات طويلة، وأسّست لإصلاح مستدام وواجب في هذا المجال، كما أنها بيّنت حقوق الأطراف بوضوح، وقطعت الطرق أمام أي محاولات يغذيها الجشع، للالتفاف عليها. فحتى في البلدان التي اعتمدت مثل هذه القوانين قبل عشرات السنين، ليست خالية من أولئك الذين يحبون القفز عليها.
هناك فروقات في مفاهيم القصاص بين الدول، تعود إلى اختلاف الثقافات فيها، وإلى التركيبات الاجتماعية والسياسية. ففي الولايات المتحدة ''على سبيل المثال'' هناك ولايات لا تزال تفرض عقوبة الإعدام، بينما ألغت أوروبا هذه العقوبة منذ ستينيات القرن الماضي. بل هناك اختلافات في الأنظمة القضائية على صعيد الدول الغربية. والمخالفة في بعض الدول، تكون جريمة في غيرها. والتشريعات الوطنية تختلف بين دولة وأخرى. وحتى في دولة واحدة كالولايات المتحدة، هناك تشريعات متعارضة بين الولايات نفسها. لكن الذي يبعد هذه الخلافات أو يجعلها تنزوي في التعاطي المحلي والدولي الجماعي مع قضايا حقوق الإنسان، أساسيات لا خلاف عليها، وهي تتركز في استقلال القضاء. ومع ذلك، فقد أخذت هيئة حقوق الإنسان السعودية التوصيات الخاصة بالقصاص من مجلس حقوق الإنسان، لدراستها وتقديم تقرير عنها في مرحلة لاحقة، وفق آليات عمل المجلس المذكور.
للمملكة، التي تحترم حقوق الإنسان في إطار الأمم المتحدة، تشريعاتها التي تفرضها الشريعة الإسلامية. وهي تؤمن بمبادئ هذه الشريعة، ليس فقط من باب الانتماء إليها، بل لما توفره من قيم إنسانية تحمي حقوق الإنسان، ومن عدالة خالصة. وهي تجرِّم من ينتهكها وتفرض عليه عقوبات رادعة وحاسمة. والهدف الأسمى لهذه المبادئ، أن يعيش الإنسان كريماً مصاناً. لا بد أن تظهر هناك الفروقات مع دول أخرى تعتمد أنظمة مختلفة، لكن هذا لا يمنع وجود قواسم مشتركة تقوم أساساً على حماية حقوق الإنسان، وإن اختلفت آليات هذه الحماية. المهم، أن هناك أدوات تتيح مواصلة التحاور بين كل الأطراف، والأهم أن السعودية لا تغلق الأبواب التي تؤدي في النهاية، إلى تحقيق الهدف الرئيس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي