خلاف الميزانية يعطل مؤسسات الحكومة الأمريكية

خلاف الميزانية يعطل مؤسسات الحكومة الأمريكية

أوقفت الدولة الفدرالية الأمريكية صباح أمس أنشطتها لأول مرة منذ 17 عاما، وفق آلية تعطيل ستطال مئات الآلاف من الموظفين؛ بعدما عجز الكونغرس عن تخطي الخلاف المحتدم حول الميزانية.
ورغم مفاوضات مكثفة، وليلة كاملة شهدت تبادل نصوص، بين مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون ومجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون؛ لم يتم إقرار أي مشروع ميزانية قبل حلول استحقاق السنة المالية الجديدة 2014م، التي بدأت في منتصف ليل الإثنين - الثلاثاء.
وعلى خلفية هذه العرقلة القائمة، أمر البيت الأبيض قبيل منتصف الليل الوكالات الفدرالية ببدء تنفيذ آلية وقف أنشطتها جزئيا وفق إجراءات كانت تهيأت لها.
وأعلنت مديرة مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض، سيلفيا بورويل، في مذكرة: ''ليس لدينا - للأسف - مؤشر واضح بأن الكونغرس سيتحرك في الوقت المناسب حتى يوقع الرئيس على ميزانية قبل انتهاء مهلة الغد في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) 2013م''.
وتابعت: ''على الوكالات الآن تنفيذ الخطط لتعطيل أنشطتها بشكل منتظم في غياب الأموال''.
وحاول أوباما القيام بمبادرة أخيرة أمس الأول، إذ حذر من أن شلل الدولة الفدرالية ستترتب عليه ''عواقب اقتصادية فِعْلية على الناس في الحياة الحقيقية وبشكل آني''.
وبُعَيد منتصف الليل، كتب الرئيس في تغريدة على موقع ''تويتر'': ''أقدموا فعلا على ذلك .. مجموعة من الجمهوريين في مجلس النواب فرضوا للتو تعطيلا حكوميا حول (أوباما كير) بدل إقرار ميزانية حقيقية''.
وكان أوباما اتهم في وقت سابق الجمهوريين باحتجاز أمريكا رهينة لمطالبهم السياسية ''المتطرفة'' فيما رد خصومه باتهام حلفائه الديمقراطيين بالغطرسة.
وقال أوباما في كلمة تلفزيونية وجهها من البيت الأبيض: ''لا يمكنكم الاستحصال على فدية من أجل القيام بعملكم، القيام بما يفترض عليكم القيام به في مطلق الأحوال''.
وقال: ''إن فصيلا واحدا من حزب واحد في مجلس واحد من الكونغرس في فرع واحد من الحكومة؛ لا يمكنه تعطيل الحكومة برمتها لمجرد شن معركة جديدة على نتائج انتخابات'' في إشارة إلى إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية.
وقال باينر في كلمة ألقاها في المجلس: ''لم آت إلى هنا لتعطيل الحكومة. الشعب الأمريكي لا يريد تعطيلا حكوميا، وأنا أيضا لا أريده''.
ويشكل فشل الكونغرس في التوافق ذروة صراع متواصل منذ 33 شهرا حول الميزانية بين الديمقراطيين والجمهوريين، الذين استعادوا السيطرة على مجلس النواب في كانون الثاني (يناير) 2011م مع انتخاب عشرات من أعضاء حركة حزب الشاي المحافظة المتطرفة.
ويدور المأزق الحقيقي حول نظام ''أوباما كير'' الصحي، وهو التسمية التي تطلق على إصلاح النظام الصحي الذي أقره باراك أوباما عام 2010م وكان أبرز إنجازات ولايته الرئاسية الأولى.
ويسعى الجمهوريون لربط أي اتفاق على ميزانية بتأخير بدء تطبيق إصلاح الضمان الصحي، أو تفكيكه، أو إلغاء التمويل له.
ويتهم الجمهوريون الرئيس برفض التفاوض بـ ''نية طيبة'' معهم، فيما يقول البيت الأبيض إن ''أوباما كير'' بات قانونا نافذا ولا مجال لمنع وضعه حيز التنفيذ لتأمين ضمان صحي لجميع الأمريكيين.
وأصدر الرئيس مساء أمس الأول قانونا يضمن دفع رواتب العسكريين في الوقت المحدد مهما حصل.
ولا تظهر أي بوادر تشير إلى تسوية سريعة لهذا المأزق، فيما يحذر خبراء الاقتصاد من انعكاس العرقلة على الانتعاش الاقتصادي الهش في حال استمر تعطيل الجهاز الفدرالي عدة أسابيع.
وستضطر جميع الوكالات الفدرالية، من وزارة الدفاع إلى وكالة حماية البيئة، إلى تخفيض موظفيها بشكل فوري إلى الحد الأدنى الأساسي، وفي بعض الأحيان إلى نسبة 5 في المائة، مع استثناء الأمن القومي والخدمات الأساسية من آلية التعطيل، الأمر الذي سيضع نحو 800 ألف موظف، يعتبرون غير أساسيين من أصل أكثر من مليونين؛ في عطلة غير مدفوعة الأجر إلى أن يتفق الكونغرس على تخصيص ميزانية لتمويل عمل الدولة الفدرالية.
وقال رئيس الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، هاري ريد: ''من العار أن ينتهي الأمر بهؤلاء الأشخاص الذين انتُخِبوا لتمثيل البلاد، أن يمثلوا حزب الشاي والفوضويين'' وأضاف: ''هذه ضربة غير ضرورية لأمريكا''.
وفي المقابل كتب الجمهوري، تيد بو، في حسابه على موقع ''تويتر'': ''وصلنا إلى هنا لأن الرئيس والديمقراطيين في مجلس الشيوخ أرادوا هذه النتيجة منذ البداية''.
غير أن البعض أقروا بأن الرأي العام سيلقي اللوم على الجمهوريين، وقال السناتور جون ماكين مساء أمس الأول إن الجمهوريين ''سيُعتبرون الجهة التي عرقلت وتسببت بوقف أنشطة الدولة الفدرالية''.
واستأنف مجلسا ''النواب'' و''الشيوخ'' أعمالهما أمس، ولخص المتحدث باسم هاري ريد الوضع بالقول: ''عودة إلى خانة الانطلاق''.
من جهة أخرى، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن الأقسام القنصلية الأمريكية ستواصل في المرحلة الأولى منح تأشيرات للأجانب الراغبين في الدخول إلى الولايات المتحدة.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة، جنيفر بساكي، في لقائها اليومي مع الصحافيين: إن الأنشطة التي يقوم بها مكتب الشؤون القنصلية ستستمر محليا وفي الخارج، ما يعني أنهم سيواصلون منح تأشيرات وجوازات.
وأكدت أن وزارتها لن تتأثر كثيرا في المرحلة الأولى بشل الخدمات العامة. وأضافت: ''في حال كان هناك إقفال حكومي، فإن أنشطة وزارة الخارجية والوكالة الفدرالية للمساعدة الدولية سوف تستمر بشكل محدود ولفترة وجيزة''.
وأوضحت: وزارة الخارجية والوكالة الفدرالية للمساعدة الدولية هما وكالات أمنية قومية، تتخذان إجراءات لمواصلة العمل على الصعيد القومي، حتى في حال الإغلاق وتقليص الطاقم.
وعلى الصعيد الدولي، حذر رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أمس من أن تعطيل الحكومة الفدرالية الأمريكية قد يهدد الاقتصاد العالمي الهش.
وقال كاميرون لإذاعة ''بي بي سي'': إن عجز الولايات المتحدة عن ترتيب خطط إنفاقها، وخطط تقليص عجزها؛ سيشكل خطرا على الاقتصاد العالمي.
وحذّر المحللون الاقتصاديون من أن التعطيل الذي يلزم 800 ألف موظف فدرالي، بأخذ عطلة، وبإغلاق متاحف وحدائق وطنية حتى حل الخلاف؛ قد يبطئ النمو في أكبر اقتصاد عالمي.
وتابع كاميرون: ''أعتقد كذلك أنه ينبغي وضع خطة طويلة الأمد على عدة سنوات من أجل تخفيض نسب العجز''.

الأكثر قراءة