جامعة حفر الباطن

أصبح التعليم الجامعي ضرورة ملحة، وارتفعت نسبة السكان الذين يتجهون إلى تحسين فرصهم الوظيفية من خلال رفع تحصيلهم العلمي. دفع هذا الدولة لتوفير فرص التعليم العالي بكل فروعه وتخصصاته في أغلب محافظات المملكة خلال السنوات الأخيرة.
قضية العناية برفع المستوى العلمي للأبناء أصبحت من القيم الأساسية لكل الأسر. تدفع أسر كثيرة مبالغ كبيرة لضمان تسجيل أبنائها وبناتها في تخصصات لم يتمكنوا من التسجيل فيها في جامعات الدولة من خلال التعليم الجامعي الخاص. ساهمت الدولة في دعم هذا التوجه بضم من يحصلون على نسب جيدة في السنة التحضيرية إلى بعثاتها.
يذكر أن الدعم الكبير الذي توليه الدولة للتعليم الجامعي متشعب، وترصد له مبالغ هائلة، هذا بخلاف مساهمات القطاع الخاص في ابتعاث المرشحين للعمل في الشركات والمؤسسات الخاصة داخل المملكة وخارجها. تغطي الدولة الفجوة بين الطلب والعرض بإتاحة الفرصة للكثير من الطلبة الراغبين الذين لا تستوعبهم منشآت التعليم الجامعي في المملكة بالابتعاث في برنامج الملك عبد الله وبرامج تمولها جهات حكومية أخرى. وعلى الرغم من وجود الكثير من الملاحظات على برامج الابتعاث، إلا أنها تحقق أهدافا علمية واجتماعية وثقافية مهمة، كما تؤكد أن هناك حاجة ماسة للتوسع في عدد المقاعد التي يتم توفيرها لخريجي الثانوية العامة في التعليم العالي بشقيه.
تعتبر الثورة التي حولت سبع جامعات إلى أكثر من 26 جامعة حالة استثنائية تتطلب الكثير من الجهد من قبل الجهات التخطيطية والعلمية لمتابعة المدخلات وربط المخرجات بسوق واعدة تستقدم أكثر من ثمانية ملايين من العمالة الأجنبية، وهي الثانية عالمياً في تحويلات الأجانب والثالثة في عدد الأجانب الذين يعيشون على أرضها. أتوقع أن تكون نسبة الحاصلين على شهادات جامعية من الأجانب أكثر من 10 في المائة. ولو بنينا على هذه النسبة فإن لدينا أكثر من 800 ألف وظيفة تتطلب الحصول على شهادة جامعية وهو أكثر من مخرجات جامعات المملكة والابتعاث مجتمعة لمدة سبع سنوات.
يستدعي هذا الأمر إعادة النظر في توزيع الجامعات وتمكين أعداد أكبر من المواطنين من الحصول على شهادات جامعية. يضاف إلى حاجة السوق ارتفاع تعداد السكان بشكل مضطرد، وهو ما يستدعي أن تتضافر الجهود في سبيل ردم الهوة بين مخرجات الجامعات ومتطلبات سوق العمل. يعيدني هذا إلى قراءة مختلفة لتوزيع الجامعات في المملكة.
إن التوزيع الذي تم بناء على معايير غير واضحة -بالنسبة لي على الأقل- أدى إلى إيجاد جامعات في مدن لا يتجاوز تعداد سكانها 50 ألف نسمة، بينما أهمل محافظات كبيرة أكثرها بروزاً محافظة حفر الباطن. تقول إحصائية وزارة التخطيط إن تعداد سكان هذه المحافظة يصل إلى 350 ألف نسمة، وهي تقع في الترتيب بين أعلى عشر مدن تعداداً في المملكة. هذا في حد ذاته يعتبر ملزماً للمخططين بأن يضعوا هذه المحافظة في مقدمة أولوياتهم في الخدمات بشكل عام ومن أهمها الجامعة.
شكا لي أحد القراء الكرام من هذه الإشكالية، فرجعت للإحصائيات فوجدت أن عدد الثانويات في محافظة حفر الباطن يبلغ 122 مدرسة يتخرج فيها ما يقارب عشرة آلاف طالب وطالبة، يضطر أكثرهم إما للدراسة خارج المحافظة أو الدراسة في معاهد وكليات المحافظة التي لا يتجاوز استيعابها 2700 طالب وطالبة. يبلغ عدد المعاهد والكليات سبعا ترتبط بجهات مختلفة، ويمكن أن تكون نواة لجامعة حفر الباطن لتمثل هوية المحافظة وتوجد فرص تعليمية عليا مستحقة للمحافظة وأهلها.
يضاف إلى هذه القضية البعد الجغرافي، فأقرب جامعة تبعد عن حفر الباطن أكثر من 400 كيلومتر. ولو نظرنا إلى توزيع الجامعات في المملكة فلن نجد مثل هذه المسافة التي تفصل بين التجمعات السكانية والجامعات إلا في حالات التجمعات السكانية التي لا يتجاوز تعداد السكان فيها الـ 20 ألفاً.
إن وجود جامعة في هذه المحافظة المهمة سيساهم في خفض نسبة البطالة بين خريجي الثانوية العامة الذين يبقى أكثر من 50 في المائة منهم خارج مقاعد الدراسة الجامعية، ليكونوا عبئا إضافيا على المجتمع والجهات الأمنية. إضافة إلى حماية أبناء وبنات المحافظة من مخاطر السفر المستمر لمن يدرسون في جامعات تبعد بعضها 500 كيلومتر عن المحافظة.
يتوقع أن توفر الجامعة تخصصات أقرب إلى متطلبات السوق المحلية، إذ إن المتوافر من الكليات والمعاهد يقدم تخصصات أدبية بحتة قد لا يضمن الخريج فيها الحصول على وظيفة لبعدها عن احتياج السوق، وخدمتها للقطاع الحكومي الذي لا يوفر الكثير من الوظائف للخريجين. هذه الإشكالية تؤدي إلى اضطرار الكثير من أبناء المنطقة للبحث عن الوظائف خارجها، وهي تؤدي إلى الإضرار بالتركيبة السكانية، ولا تساهم في التنمية المتوازنة التي تهدف لها خطط الدولة.
أتمنى أن تعيد وزارة التعليم العالي النظر في وضع محافظة حفر الباطن وتمنح أهلها حقهم في التعليم الجامعي الذي يعتبر أساسياً ويتوافر اليوم لكل سكان محافظات المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي