قالوا للكذاب احلف.. تنافس السفاحون

يسيطر على فكري هذه الأيام مثل قديم جديد، وأنا أشاهد مسار الأحداث المبكي المضحك. مبكٍ في مآسيه وفظائعه التي لا يرضاها إنسان لديه ذرة من ضمير أو أخلاق، ومضحك في أسلوب السرد المسرحي المتخشب الذي ينبني على أن الناس أغبياء، ولن يفهموا كيف طبخت الطبخة وحبكت الحبكة.
بدأت المسرحية برسم الخطوط وتلوينها من قبل قائد أقوى دول العالم التي تمكنت من تحقيق ما هي فيه بسبب إقامتها العدل ومحاربتها الظلم في أرضها وخارجها، فتمكنت بعد أقل من 50 عاماً من خطاب الدكتور مارتن لوثر كينج الذي كان أشهر ما فيه قوله ''لدي حلم''، تمكنت من تنصيب أول رئيس دولة أسود. كان قبل 50 سنة لا يستطيع أن يركب نفس الحافلة مع البيض أو يأكل في نفس المطعم.
وضع الرئيس الهمام خطوطه ولونها وانتقد نهجه كثيرون من بني دولته، لكنه كان يعتقد أن الخطوط الحمراء لن تنتهك، فهي فرصة له لترويج نفسه الحامي لأرواح الأمريكان إلا عندما ينتهك الخط المزعوم. ذلك بسبب قلة خبرته بالسياسة وخصوصاً ما يقع منها داخل عالمنا العربي العظيم، توقع أنه لا يمكن أن يقتل أحد أحداً باستخدام المبيد، فكيف ببني شعبه الذين تربوا في أحضانهم، وهو استنتاج منطقي يمكن أن يحكم سلوك العالم كله إلا عالمنا العربي.
استخدم السفاح المبيد وأباد الناس مرة، ثم أخرى. كان المراقبون والمهتمون يطالبون بأن تتصرف الدول الكبرى لأن الكيماوي استخدم هنا أو هناك. لكن الرئيس كان مشغولاً بأمور أخرى، وهو لا يزال غير مصدق أن هذا يمكن أن يحدث. جاءته مخابراته بالأدلة، فكذَّبهم وظنها مثل أدلة نووي صدام حسين.
ثم تجرأ الفأر فضرب ضربته القاصمة التي أردى فيها 1500 إنسان في عملية رش للمبيد البشري دفعة واحدة. عرف حتى أطفال غينيا بيساو أن من فعلها هو بشار. أسقط في يد الرئيس الخائف، وقال كلمته الشهيرة: سنؤدب هذا المجرم، ثم أتبعها بعبارته الشهيرة ليس غداً أو بعد غد أو بعد أسبوع أو شهر. بمعنى ''مت يا..''. تناقلت وسائل الإعلام التصريح الذي انتظره العالم لساعات، وبدأ الجميع يسخرون من ضعف الرئيس.
اتفق الرئيس مع وزير خارجيته على أن يستخدما التلويح بالعصا والجزرة ولكن الوزير حمل جزرتين عندما أعلن بعد التشاور مع وزير خارجية روسيا ''الديموكتاتورية''، أن لدى بشار أسبوعا ليسلم كل ترسانته من السلاح الكيماوي وإلا... .
تسلم الرئيس الروسي الذي له الباع الأطول في القتل والمؤامرات سدة تصريف الأمور من تلك اللحظة. أصبحت أمريكا العظمى تتفرج، وروسيا تحاول أن تستعيد الإمبراطورية التي كانت، وهذا ما سيحدث إن استمر الخوف مسيطراً على متخذي القرار في الدولة الأقوى.
أصبح بإمكان بوتين أن يدير الأحداث بالطريقة التي تهين أمريكا، وتضمن المزيد من المبيعات الروسية، وتسمح للسفاح بأن يستمر في المجازر. توقف العالم عن التنديد بالقتل العادي، عن طريق الدبابات والطائرات والكلاشات والبراميل وكل ما يمكن أن تقع عليه يد المجرم. مزيد من المبيعات لروسيا. المشكلة أن سورية أفلست فليس هناك ما يمكن أن يدفع به بشار الفاتورة.
كل مشكلة ولها حل عند المافيا الروسية. يلزمني مليار دولار وسنة كاملة لأتخلص من كل الكمية، قالها الطويل. انبرى أحد أبواق النظام ليقول إن القائد الهمام سيحتاج إلى أكثر من ثلاثة أضعاف المبلغ لتحييد هذا السلاح.
ألم أقل لكم إنها مسرحية هزلية مضحكة محزنة ومخزية لكل ذي عقل. فبعد تجاوز الخط الأحمر لأوباما أصبح من المشروع للسفاح أن يقتل من يشاء بالطريقة التي يشاء. كما صار من المقبول أن يطالب بشار بالتعويض المالي عن السلاح الكيماوي الذي لم يستخدمه. فـ ''ليتنا من حجنا سالمين''.
المشكلة الكبرى هي أن هذا السلوك المخالف لكل أصول الإنسانية والسياسة والحرب والعقل والنقل والإجرام وقل ما شئت، هذا السلوك بدأ يغضب جهات أخرى تلبس اليوم ثياب الحملان. نعم فكيف يفوز بشار ولا تفوز صديقته إيران. شعر الإيرانيون أنهم خدعوا بهذه الحيلة الروسية، فأسرع روحاني إلى موسكو وطالب بأن يحصل على نفس المعاملة، فهو يقوم بنفس العمل وينفذ نفس الأجندة، ويشتري من روسيا كما يفعل بشار فلماذا التفرقة يا عم ''بوتين''.
لم يخيب بوتين ظن روحاني، فأعلن أن إيران لن تنتج السلاح النووي، ولن تهدد أياً من جيرانها، وستتعاون مع الوكالات الدولية في هذا الشأن. بدأ لعاب وزير الخارجية الأمريكي يسيل لهذا الخبر، فقال أهلاً بهذه الروح. ناسياً أن بشار قبل ذلك بأشهر فقط حلف بكل الأيمان أنه لا يملك الكيماوي وأن كل هذا محض افتراء.
نسيت أن أقول لكم إن المثل الذي لا أنفك أتذكره هو ''قالوا للحرامي احلف، قال جاك الفرج''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي