أسعد الشعوب العربية
واجهت سيدة سعودية صعوبة في الوصول إلى مطعم أثناء زيارتها لواحد من أكبر أسواق دبي. استوقفت أحد المواطنين الإماراتيين الذي يبدو عليه أنه من علية القوم، سألته عن موقع المطعم فطلب منها أن ترافقه ليوصلها، اعتذرت وطلبت منه أن يدلها فقط على الموقع، إلا أنه أصر على أن يوصلها بنفسه إلى حيث تريد. شكرته، وانصرف دون أن يفعل شيئاً سوى قول كلمة ''العفو''.
حادثة من الكثير من الحوادث التي نسمع عنها أو نعايشها عند السفر للإمارات. ليس من الغريب أن تشاهد الشيخ محمد بن راشد في أحد الأسواق أو الفنادق، كذلك الحال بالنسبة لأغلب المسؤولين ورجال الأعمال في هذه الدولة التي لا تزال تستأثر بالألقاب والصفات التي تكتسبها وتكتسح بها مساحات إضافية من الحب والإعجاب في العالم بأسره.
يستغرب المسافر إلى الإمارات كم الابتسامات التي يراها في المطار والشارع والسوق والفندق وكل مواقع الدولة. يستغرب المسافر كم الاحترام للأنظمة والقوانين، وحجم الإحساس بالمسؤولية الذي يميِّز كل الناس. ليس مستغرباً إذاً أن تحصل الإمارات على المركز الأول في العالم العربي في مساحة السعادة التي تنتشر بين السكان.
يمكن أن يعزى هذا الكم من السعادة إلى مجموعة من العناصر المهمة التي تبدأ من القمة إلى أسفل الهرم. يتنافس المسؤولون هناك في إسعاد الناس. يقول أحد المستشارين إن مبدأ رضا الناس غاية لا تدرك هو أكبر أعداء الفكر القيادي في الإمارات، يقول نؤمن هنا بأن رضا الناس ''غاية تدرك''، بل إن التوجه الحديث الذي تعتمد عليه خطة الحكومة الذكية هو تجاوز توقعات الناس. بمعنى الإبهار الذي يجعل الزائر يفتح عينيه كل مرة يدخل فيها إلى المطار ويفغر فاه كلما دخل إلى السوق أو شاهد ردة فعل مسؤول لمطالب الناس. مثل ذاك الذي نادى وزير الخارجية في ''تويتر'' طالباً منه نقل قريبته من عمان إلى الإمارات فرد عليه بكل احترام وطلب منه الاتصال به لينهي المعاملة اليوم التالي.
حالة مثل القرار الأخير الذي صدر بتوفير وجبات مجانية لطلبة المدارس بما فيها بوفيهات في مستويات الدراسة الأعلى. هذه مرحلة تنافس فيها حكومة الإمارات نفسها لتقديم أفضل خدمة للمواطن.
بعيداً عن النفسيات والعصبية التي نعيشها في هذا الزمن المتسارع الذي يرى كل واحد فيه أن الحق له وليس لغيره أي حقوق، وبعيداً عن الشكوك التي ستساور المرأة السعودية، وتدخل جهات كثيرة لمواجهة سلوك الرجل الذي كان سيوصلها إلى حيث تريد. بعيداً عن حالة الفصام التي تعيشها مجتمعات كثيرة بين واقعها وما تريده. وبعيداً عن كل المظاهر التي نتمنى أن نراها في بلادنا ولكننا لا نساهم في صنعها. لا بد أن نتذكر أن السعادة هي حالة نفسية.
تم ترتيب الدول في الإحصائية التي نشرت منذ أيام بناء على معايير الثراء والدعم الاجتماعي وحجم الفساد وحرية الرأي. لذلك جاءت الدنمارك في المركز الأول عالمياً. لكن هل هذه المعايير هي التي تصنع السعادة؟ هذا السؤال يعيدنا إلى المربع رقم (1). الاعتقاد بأن الثراء وعناصر المقارنة الأخرى تحقق السعادة ليس دقيقاً. يمكن اعتبار هذه العناصر ملائمة للمقارنة بين الحريات أو الشعور بالانتماء، لكنها لا تدل بالضرورة على السعادة.
يبدو أن البحث أهمل عناصر مهمة مثل نسبة الطلاق والأمراض النفسية والانتماء الديني في المجتمعات وانتشار المخدرات والجريمة، وهي عناصر تؤثر بالتأكيد في الحال التي تعيشها الأسر ومدى شعورها بالأمان والسعادة والراحة النفسية والاحتواء الذي لا تعيشه أكثر دول أوروبا.
لكن هذا لا يقلل من إنجاز الإمارات التي تحاول نشر السعادة من خلال توفير الخدمات ونشر العدل والتفاعل بين عناصر المجتمع والثقة المتزايدة بين الحكومة والناس، فتنشر الابتسامات التي تحاصرك حيث ذهبت.
ما الدرس الذي يجب أن نتعلمه من هذه التجربة؟
إن التنافس مع الآخرين لتحقيق المراكز المتقدمة في التصنيفات العالمية في كل المجالات هو من الأمور المهمة. لكن التنافس مع الذات ومحاولة التطوير وتحسين ما هو قائم والتفاعل مع متطلبات المجتمع هو الأهم.
يجب أن ننظر جميعاً لدورنا في نشر قيم التنافس الشريف الذي يرفع من قيمة مجتمعنا ودولتنا بما نملكه من قدرات، فالوزير لديه القدرة على التأثير من خلال نقد الذات وإصلاح ما يعوج في وزارته، والمدير العام كذلك والموظف والمعلم والأم والأب والطالب لا بد أن يشاركوا في تكوين منظومة تفاعلية تستطيع أن تنشر السعادة والمحبة من خلال أداء مسؤولياتها بالطريقة التي ترضي الله - سبحانه وتعالى - فـ ''كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته''.