Author

قنبلة سنودن الموقوتة

|
في أعقاب الأزمة المالية العالمية، دأب زعماء العالم على ترديد تعويذة مهدئة. فقد زعموا أنه من غير الممكن أن تتكرر أزمة الكساد الأعظم العالمية "التي حدثت في ثلاثينيات القرن العشرين"، ليس فقط لأن السياسة النقدية كانت أفضل كثيرا "وكانت كذلك بالفعل"، بل أيضاً لأن التعاون الدولي كان أفضل مؤسسية. ورغم ذلك فإن رجلاً واحدا، عميل الاستخبارات الأمريكية السابق إدوارد سنودن، أثبت لنا كم يظل ذلك الزعم بعيداً عن الواقع. إن الفترات المطولة من الضغوط والتوترات تميل إلى إضعاف نسيج التعاون المؤسسي. فالمؤسستان اللتان أظهرتا القدر الأكبر من الديناميكية والفعالية في الفترة 2008 ـــ 2009، صندوق النقد الدولي ومجموعة العشرين، كانت مصداقيتهما في تآكل مطرد على مدار الأزمة التي دامت طويلا. ولأن الاقتصادات الصناعية الكبرى بدت وكأنها على المسار الصحيح إلى التعافي ــــ ولو كان ضعيفا ــ فإن أحداً لم يبد اهتماماً كبيراً أن آليات التعاون أصبحت بالية مهترئة. ومن المرجح أن تندلع حرائق مالية أخرى كثيرة في مواقع مختلفة، والعالم يحتاج إلى فرق إطفاء قادرة على إخماد هذه الحرائق. في عام 2009، قرر صندوق النقد الدولي توسيع موارده، وكان من المفترض أن يتم إصلاح المنظمة على النحو الذي يعطي الأسواق الناشئة صوتاً أكبر في قرارات الصندوق. ولكن التقدم على هذا المسار كان ضئيلا. كان صندوق النقد الدولي جزءاً مركزياً من النظام الاقتصادي العالمي في مرحلة ما بعد عام 1945. ولقد لعب في وقت لاحق دوراً بالغ الأهمية في إدارة أزمة الديون في ثمانينيات القرن العشرين، وفي التحول الاقتصادي في مرحلة ما بعد الشيوعية بعد عام 1989. ثم اندلعت الأزمة المالية الآسيوية في الفترة 1997 ـــ 1998 لتقوض شرعية الصندوق في آسيا، حيث كان الاعتقاد الراسخ بين العديد من حكومات المنطقة أن الأزمة استُغِلَّت من قِبَل الولايات المتحدة والمؤسسات المالية في الولايات المتحدة. ثم خسر صندوق النقد الدولي المزيد من مصداقيته في سنوات ما بعد أزمة الركود الأعظم التي اندلعت عام 2007 لثلاثة أسباب. الأول أن المرحلة الأولية من الأزمة بدت وكأنها ظاهرة أمريكية. والثاني أن المشاركة القوية من جانب صندوق النقد الدولي في أزمة اليورو المطولة بدت وكأنها معاملة تفضيلية لأوروبا والأوروبيين. وبشكل خاص، كانت المطالبة باختيار أوروبي آخر "فرنسي آخر على وجه التحديد" خلفاً للمدير الإداري لصندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس كان؛ لأن العالم كان يركز على أوروبا آنذاك، غير مفهومة على الإطلاق في نظر بلدان الأسواق الناشئة الكبيرة. ثم في نهاية المطاف، وكما حدث في الأزمة الآسيوية، اختلفت الحكومات الأوروبية والمفوضية الأوروبية مع الصندوق، وبدأت في تحميل تحليلاته المسؤولية عن ارتباك الأسواق وعدم استقرارها. كانت مجموعة العشرين هي الفائز الأكبر من الأزمة المالية. ذلك أن القمم الأقدم "مجموعة الدول السبع، أو الثماني بإضافة روسيا"، فضلاً عن اجتماعات وزراء المالية لمجموعة الدول السبع، لم تعد شرعية. وذلك لأنها كانت تتألف من الدول التي أحدثت المشاكل في واقع الأمر؛ وكانت خاضعة لهيمنة الولايات المتحدة؛ فضلاً عن أنها كانت تعاني فرط تمثيل دول أوروبية متوسطة الحجم. وعلى النقيض من ذلك، أشركت مجموعة العشرين الأسواق الناشئة الكبيرة، وكان وعدها الأولي يتلخص في توفير وسيلة للسيطرة على صندوق النقد الدولي وتوجيهه. وكان المزاج الجديد لتغير النظام الاقتصادي العالمي جلياً واضحاً في الصورة الفوتوغرافية الرسمية التي استُخدِمَت على نطاق واسع في تغطية أكثر قمم مجموعة العشرين نجاحا، التي عقدت في لندن في نيسان (أبريل) 2009. نجحت قمة لندن في الأجل القصير في تخفيف العدوى المالية النابعة من جنوب أوروبا؛ وأعطت البنك الدولي موارد إضافية للتعامل مع مشكلة التمويل التجاري لصادرات الأسواق الناشئة؛ وبدا للعيان أنها تعطي صندوق النقد الدولي المزيد من القدرة المالية والشرعية؛ وبدا وكأنها تستحث التحفيز المالي المنسق لاستعادة الثقة. بيد أن الافتقار إلى الشفافية الذي يحيط بمسألة مراقبة البيانات واستخراجها يعني أنه عندما يسرب المبلغين المعلومات، فإن الجميع يصبح بوسعهم في وقت لاحق استخدامها لبناء نسخ خاصة بكل منهم لكيفية صناعة السياسة والأسباب وراء صناعتها، وبالتالي فإن الكشف عن المعلومات على هذا النحو يشجع نظريات المؤامرة الجامحة. الواقع أن النتائج الحقيقية لقمة لندن تسببت بالفعل في التحرر من وهم عملية مجموعة العشرين على نطاق واسع. وقد نسفت مسألة سنودن أي وهم حول الثقة المتبادلة بين الزعماء ـــــ وأيضاً حول كفاءة وأهلية هؤلاء الزعماء. وبمنح سنودن حق اللجوء السياسي لمدة عام، فإن فلاديمير بوتن يكون بهذا قد وضع مفجر القنابل بجانبه عندما يستضيف قمة هذا العام في سانت بطرسبرج. خاص بـ «الاقتصادية» حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.
إنشرها