تمديد المهلة .. فرصة سانحة للتصحيح

تنفس رجال المال والأعمال الصعداء بصدور أمر الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - بتمديد مهلة تصحيح أوضاع العمالة الوافدة المخالفة لنظامي العمل والإقامة في المملكة حتى نهاية العام الهجري الحالي 1434هـ (3 نوفمبر المقبل) كحد أقصى، بحيث تباشر بعدها الجهات الأمنية مهامها النظامية في ضبط المخالفين في مناطق المملكة كافة اعتباراً من الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وتطبيق كل الإجراءات النظامية في حق المخالفين.
الرؤية الثاقبة وبعد النظر للملك عبد الله - حفظه الله، فرض الحاجة إلى تمديد مهلة التصحيح لإتاحة المزيد من الوقت أمام القطاع الخاص لتصحيح أوضاع العمالة الوافدة لديه بعيداً عن الارتجال والعشوائية التي تتسبب في إرباك العملية الإنتاجية، ولا سيما أن مدة التصحيح السابقة التي وجه بها - حفظه الله - في نيسان (أبريل) الماضي وزارتي العمل والداخلية بإعطاء فرصة للعاملين المخالفين لنظام العمل والإقامة في المملكة لتصحيح أوضاعهم في مدة أقصاها ثلاثة أشهر انتهت بتاريخ 3 تموز (يوليو) من العام الجاري، أثبتت من التجربة والتطبيق العملي أنها ليست كافية في ظل تدفق أعداد كبيرة جداً من العمالة المخالفة لنظامي العمل والإقامة في المملكة لتصحيح أوضاعها غير النظامية، التي يقدر عددها بأكثر من ثلاثة ملايين وافد، نتيجة للتخلف أثناء مواسم الحج والعمرة والمتاجرة في التأشيرات وإلى غير ذلك من الأسباب.
على الرغم من المشاكل والصعوبات العديدة التي واجهت الجهات الأمنية في المملكة المعنية بأمر تصحيح أوضاع العمالة الوافدة خلال المهلة الأولي، إلا أنها كانت مرحلة ناجحة بكل المقاييس والمعايير في تحقيقها لأهدافها الوطنية النبيلة والسامية، حيث تمكنت السلطات الأمنية في المملكة من تصحيح أوضاع ما يربو على 1,5 مليون وافد في السعودية، إضافة إلى ترحيل الآلاف من المخالفين لأنظمة الإقامة والعمل المرعية في البلاد طوعاً وبناء على رغبتهم، ما يبشر بانطلاق مرحلة جديدة لسوق العمل مشجعة ومحفزة بشكل أكبر مقارنة بالماضي على توظيف السعوديين وإحلالهم مكان العمالة الوافدة غير النظامية، الأمر الذي يؤكده تهافت القطاع الخاص خلال مهلة التصحيح الأولى في البحث عن السعوديين المؤهلين للدخول إلى سوق العمل لشغل الوظائف الشاغرة التي خلفتها وراءها العمالة الوافدة غير النظامية في البلاد نتيجة لرحيلها إلى خارج البلاد وعودتها إلى موطنها الأصل.
رجال المال والأعمال رحبوا بقرار الملك عبد الله بتمديد مهلة التصحيح، واعتبروا أن المهلة الجديدة ستمكنهم من اتخاذ قرارات صائبة وأكثر تعقلاً لتنقية منشآتهم ومؤسساتهم وشركاتهم من العمالة المخالفة ومضاعفة نسب السعودة لديهم، ولا سيما حين ربط مهلة التصحيح بعدد كبير من القرارات والمبادرات والبرامج التي نفذتها وزارة العمل خلال الفترة الماضية، التي استهدفت جميعها وفي مجملها التحسين من بيئة سوق العمل في السعودية، وجعلها أكثر جذباً من السابق للشباب والشابات السعوديين الداخلين الجدد للسوق.
إن مهلة التصحيح الجديدة جاءت متوافقة مع العديد من الدعوات والرغبات بضرورة تمديد المهلة السابقة، وبالذات من القطاع الخاص وعدد من سفراء دول أجنبية وعربية، بما في ذلك الأجهزة المعنية في الدولة بإجراءات التصحيح، نظراً لكثافة أعداد المخالفين الذين لم يكن بالإمكان استيعاب جميعهم لتصحيح أوضاعهم غير النظامية خلال المهلة الأولى.
ويعول على فترة المهلة الجديدة المخصصة للتصحيح أن تكون فرصة سانحة لجميع الأجهزة الحكومية المعنية بأمر التصحيح لإعادة النظر في عدد من الإخفاقات والصعوبات التي واجهت التنفيذ في المهلة الأولى، الأمر الذي يتطلب بحث السبل والتدابير الكافية للتغلب على تلك الصعوبات والمعوقات التي واجهت العمالة الوافدة الجادة في تصحيح أوضاعها، والتي عبر عنها عدد من رجال الأعمال أنها تكمن في بيروقراطية الإجراءات والازدحام الشديد وطول فترة التصحيح، ما يتطلب توفير بدائل وقنوات متنوعة لخدمة المراجعين للأجهزة الحكومية والتعزيز من قدرات الخدمات الإلكترونية، إضافة إلى التوسع في أعداد الأماكن الحكومية التي تقدم خدمات التصحيح، إما باستغلال أماكن متاحة أو باستحداث أماكن مؤقتة وتهيئتها التهيئة السليمة لخدمة المراجعين.
إن تمديد مهلة التصحيح يعد فرصة سانحة أيضاً للقطاع الخاص لإعادة النظر وتقييم أوضاع العمالة لديه دون أن يحدث ذلك إرباكا في العملية الإنتاجية للقطاع، ولا سيما أن قصر مدة المهلة الأولى، تسبب ـ على سبيل المثال - في انسحاب أعداد كبيرة من العمالة التي عملت على خطوط الإنتاج في مصانع في مدن صناعية وتوقف مفاجئ في مشاريع حكومية وخاصة.
خلاصة القول، إن أمر الملك عبد الله بن عبد العزيز – حفظه الله- بتمديد مهلة تصحيح أوضاع العمالة الوافدة والمخالفة لنظامي العمل والإقامة في المملكة، جاء مواتياً في ظل الصعوبات التي شهدتها مهلة التصحيح السابقة، التي تمثلت في عدم قدرة الأجهزة الحكومية المعنية في الدولة بالتصحيح على استيعاب الأعداد الكبيرة من العمالة الوافدة الراغبة في تصحيح أوضاعها.
إن المهلة الجديدة للتصحيح تعد فرصة سانحة للجميع لاستغلالها الاستغلال الأمثل في تصحيح أوضاع العمالة الوافدة، باعتبارها فترة كافية للغاية لإعادة النظر في الإجراءات المتبعة في المهلة الأولى، واتخاذ التدابير الكفيلة بتحسينها لبلوغ الأهداف الوطنية السامية والنبيلة المنشودة من وراء تصحيح أوضاع العمالة الوفادة المخالفة لنظامي العمل والإقامة في المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي