التقنية مثل «الشاحن» الذي يزود الإنسان بالطاقة والحيوية
التقنية مثل «الشاحن» الذي يزود الإنسان بالطاقة والحيوية
أصبح من الغريب جدا أن نلتقي أشخاصا لا يحملون معهم هواتفهم النقالة أو أجهزة إلكترونية وأجهزة لوحية، بل إن البعض أصبح يحمل معه هذه الأجهزة حتى في الأماكن الخاصة التي لا يجوز حمله فيها كدورات المياه مثلا، ورغم أن هذه الحالة التي يصفها إخصائيون اجتماعيون ونفسيون بأنها ''إدمان التقنية'' أصبحت ظاهرة بشكل مخيف، إلا أن السيطرة عليها باتت شبه مستحيلة في ظل الثورة التقنية التي يشهدها العالم بشكل متسارع، إضافة إلى عدم إدراك الشخص المدمن عليها بإدمانه أو الشعور بآثارها التي قد تهدد حياته الاجتماعية.
تقول نادية نصير المستشارة التربوية والأسرية والحاصلة على الدكتوراه في الصحة النفسية لـ ''الاقتصادية'': إننا أصبحنا الآن في عصر الإنسان الآلي، وأصبح الإنسان حاليا نصفه مرتبط بالتقنية ونصفه إنسان، فتحولنا إلى إنسان آلي لا نستطيع الاستغناء عن التكنولوجيا بجميع إشكالها، بحيث أصبحت التقنية مثل ''الشاحن'' الذي يزود الإنسان بالطاقة والحيوية، وفي وقت نخشى أن تسيرنا هذه التقنية وليس نحن من يسيرها، وذلك عن طريق الأفكار التي نأخذها من التقنية ووسائل التواصل، ومن المؤكد أن هذا النوع من الارتباط التقني له أضرار نفسية واجتماعية على الفرد والمجتمع، فهي تسبب القلق والتوتر والشعور بالانقطاع عن العالم في حالة فقدان هذا التواصل، والدليل أن أحدا إذا فقد هاتفه أو جهازه فيدخل في حالة اكتئاب شديدة ويظل تفكيره مشغولا في كيفية الطريقة التي سيتم استرجاع جميع بياناته بها وجهات الاتصال والرسائل التي كانت في جهازه، ويشعر بعضهم بفقدان الحياة والاتصال بالعالم الافتراضي والآخرين، وهذه التقنية وفرط استخدامها تتسبب في انفصال الأسرة عن بعضها حتى وإن كانوا في غرفة واحدة، فالكل مشغول بجهازه وهاتفه ومع عالمه الافتراضي، حتى إن لغة الجسد تكون غائبة في هذه التقنية.
من جانبها قالت الدكتورة منى الصواف استشارية الطب النفسي والمختصة الدولية لمكتب الأمم المتحدة في مجال علاج الإدمان: إن الاضطراب المرتبط بالإنترنت تمت إضافته وتصنيفه ضمن التصنيف الإحصائي للأمراض التابع لمنظمة الصحة العالمية في نسخته الخامسة تحت مسمى ''إدمان الإنترنت''، يأتي ذلك في الوقت الذي سجلت فيه السعودية نحو 16.2 مليون مستخدم للإنترنت.
وشرحت الصواف أعراض إدمان الإنترنت بأنها تتمثل في وجود أعراض وسواسية قهرية لاستخدام الإنترنت عبر صور يأتي من أبرزها الإفراط في ممارسة الألعاب الإلكترونية وإرسال الرسائل الإلكترونية والنصية، والانشغال المرضي بالأمور الجنسية ''الهوس الجنسي على الإنترنت''.
وأكدت الدكتورة منى الصواف أن التشخيص يشمل أربعة عناصر مهمة وهي: الاستخدام المفرط للإنترنت مع فقدان الإحساس بالوقت وإهمال أساسيات الحياة اليومية في سبيل البقاء أطول فترة على الإنترنت، وظهور العلامات الانسحابية مثل الغضب، التوتر، والاكتئاب عند عدم التمكن من استخدام الكمبيوتر لأي سبب كان، وحدوث Tolerance التحمل والتعود لدى الشخص ويظهر ذلك في سلوك الإنسان على هيئة الشراء المفرط لأدوات الكمبيوتر الحديثة بكل مستلزماتها. والتغير السلبي في السلوك مثل المجادلة، الكذب، العزلة الاجتماعية والإحساس بالتعب.
وبينت الصواف أن إحدى الدراسات التي أجريت في الصين عام 2007 تحت رعاية الدكتور تاو ران رئيس جمعية الإدمان الصينية أن نسبة المراهقين الذين يعانون من الإدمان على الإنترنت بلغت 13,7 في المائة من مجموع المراهقين للفئة العمرية نفسها، الأمر الذي جعل الحكومة تفرض قيودا على زمن استخدام الإنترنت وتحديد المدة المسموح بها بثلاث ساعات يوميا.
الخوف من فقدان الأجهزة
في عام 2008 تم اكتشاف مرض ''نوموفوبيا'' وهو يعني الخوف من عدم وجود الهاتف المحمول حيث أكدت الدراسات التي أجريت حول هذا المرض أن 66 في المائة منهم عانوا من هذا المرض، ولكن دون أن يدركوا ذلك، وأثبتت الدراسة أن نسبة الإناث اللاتي يخشين فقدان الهاتف أو نسيانه أعلى من نسبة الذكور حيث بلغت عند الإناث 70 في المائة، بينما بلغت عند الذكور 61 في المائة، في حين يميل الذكور إلى امتلاك أكثر من هاتف أو جهاز بنسبة 47 في المائة، والإناث بنسبة 36 في المائة. وأكدت دراسة أخرى أن معدل انتشار إدمان الإنترنت في السعودية بلغ 5.3 في المائة بين طلاب وطالبات المرحلة الثانوية بالتعليم العام، مع أغلبية للذكور وأن نسبة 94.7 في المائة من المدمنين تم تشخيصهم بالاكتئاب، بينما وصفت الدراسة 47 في المائة من العينة بأنهم مقبلون على خطر الإدمان التقني، وأكدت الدراسة أن النتائج السلبية لإدمان طلاب وطالبات الإنترنت يؤثر سلبا في درجة الأداء الدراسي، ولوحظ على مدمني الإنترنت ارتفاع معدل الغياب عن المدرسة، فإن 29 في المائة منهم كان لديهم أكثر من خمسة أيام غياب في الشهر، مقارنة بـ 23 في المائة ممن هم مقبلون على خطر الإدمان و17 في المائة من غير المدمنين.