Author

التجارة الخارجية والتضخم .. زيادة قائمة الشركاء

|
يعد الاقتصاد السعودي من الاقتصادات القائمة على نظام السوق المفتوحة، ويؤدي ارتفاع درجة الانفتاح الاقتصادي لأي بلد إلى تأثر معدل التضخم المحلي بالتغير الحاصل في أسعار السلع في بلد المنشأ. يعد تقرير التضخم الذي تصدره مؤسسة النقد العربي السعودي وتنشره على موقعها الإلكتروني بشكل دوري كل ربع عام، من التقارير التي تتناول علاقة واردات السلع والبضائع من الشركاء التجاريين للمملكة من الدول المختلفة حول العالم، ودور هذه السلع والبضائع في التأثير في مستوى التضخم في المملكة. يصدر هذا التقرير مطلع الشهر الثاني لكل ربع سنة: فبراير، ومايو، وأغسطس، ونوفمبر، ليغطي حراك الواردات من السلع والبضائع بنهاية ربع السنة الذي يسبقه، ويقارن هذه التطورات بالحراك ذاته قبل عشر سنوات. والمداومة على الاطلاع على هذا التقرير يعطي صورة مستديمة عن تطورات التضخم في المملكة. عديدة هي الفوائد عندما ننظر إلى تقرير التضخم الصادر الشهر الماضي للتعرف على التطور في مراتب الشركاء التجاريين للمملكة من الدول المختلفة حول العالم، وربطه بمستويات التضخم في السوق السعودية، آخذين في الاعتبار الدولة المصدرة للسلع والبضائع في معادلة التضخم السعودية، وكذلك تطورات الاقتصاد السياسي في تلك الدولة. من الأهمية بمكان قبل الاطلاع على جزئية تطورات الشركاء التجاريين للمملكة في تقرير التضخم الربعي، أن نعيد مدارسة مفهوم التضخم وكيفية انعكاس التضخم على المستهلك النهائي في المملكة. تعرف الأدبيات الاقتصادية التضخم على أنه الارتفاع المتزايد في أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية، ويقاس بما يعرف بمعدل التضخم. ويعرف معدل التضخم بأنه معدل التغيّر في أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية خلال فترة زمنية معينة دون تغيّر في خواص أو مواصفات السلع والخدمات الاستهلاكية. وعادة ما يقاس معدل التغيّر في أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية بمعدل التغير لمجموعة من السلع والخدمات الاستهلاكية. يطلق على هذه المجموعة سلة المستهلك. وتتباين مكونات هذه السلة من اقتصاد محلي إلى آخر حسب تباين النمط الاستهلاكي لدى أفراد الاقتصاد المحلي الواحد. ودائما ما يرتبط الحديث عن أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية بالقدرة الشرائية للفرد أو المستهلك داخل الاقتصاد المحلي. وعادة ما تقاس هذه القدرة الشرائية بمتوسط دخل هذا الفرد أو المستهلك خلال الفترة الزمنية المعينة ذاتها. يقودنا الحديث عن سلة المستهلك ودورها في قياس معدل التضخم إلى الحديث بشكل مختصر عن محتويات سلة المستهلك السعودي وآليات قياسها. تتولى مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية منذ نهاية السبعينيات الميلادية مهمة تطوير محتويات سلة المستهلك وآليات قياسها. تحتوي سلة المستهلك على 476 سلعة وخدمة استهلاكية، موزعة على ثمانية بنود استهلاك رئيسة كالتالي: بند ''الترميم والإيجار والوقود والمياه''، بند ''الأطعمة والمشروبات''، بند ''التأثيث المنزلي''، بند ''الرعاية الطبية''، بند ''التعليم والترويح''، بند ''النقل والاتصالات''، بند ''الأقمشة والملابس والأحذية''، بند ''سلع وخدمات أخرى''. تأخذ سلة المستهلك أسعار هذه السلع والخدمات في 16 مدينة سعودية بشكل شهري؛ بهدف الحصول على معدل تمثيلي شهري للأسعار على مستوى المملكة. يسمى هذا المعدل المنتج الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. تشهد سلة المستهلك عملية تطوير مستمرة بما يعكس التطور في النمط الاستهلاكي للمستهلك في المملكة من خلال تطوير السلع والخدمات الاستهلاكية المشمولة في السلة وإعادة حساباتها التاريخية لتقديم أرقام إحصائية متناسقة. تشير السلسلة الزمنية للرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة لجميع السكان من بداية 1999 إلى نهاية 2011 الصادرة من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية، إلى أن المتوسط السنوي للرقم القياسي لتكاليف المعيشة لجميع السكان قد تغيّر من 100 نقطة في 1999، مرورا بـ 98.0 نقطة في 2001 و2002، كأدنى مستوى، وبالتالي أقل تكلفة معيشة ومعدل تضخم، وصولا إلى 139.4 نقطة في الربع الأول من 2012، كأعلى مستوى، وبالتالي أكثر تكلفة معيشة ومعدل تضخم. وعلى النقيض من ذلك نجد أن المتوسط اختلف في تقرير التضخم متوسط سنوي للربع الأول من 2012 بذكر أن المتوسط قد سجّل 120.7 نقطة في الربع الأول من 2012. وعلى الرغم من أن الصورة تظهر أنها غير دقيقة، إلا أن الدهشة تزول إذا عرفنا أن عدد السلع والخدمات الاستهلاكية في سلة المستهلك تمت توسعتها لتزداد من 406 سلع وخدمات استهلاكية إلى 476 سلعة استهلاكية، ما أجبر معدي التقارير الاقتصادية إلى إعادة الحسابات على أساس العدد الجديد. يقودنا الحديث عن سلة المستهلك ومستويات الرقم القياسي لتكاليف المعيشة إلى النظر في تطور مراتب الشركاء التجاريين للمملكة من الدول المختلفة حول العالم لربطه بمستويات التضخم في السوق السعودية. حيث يشير التقرير إلى التراجع في نصيب الواردات الأمريكية من السلع والبضائع إلى السوق السعودية منذ مطلع العقد الماضي من 19.3 في المائة في 2000 إلى 13.4 في 2012 لمصلحة نمو في نصيب الواردات الصينية من 4 في المائة في 2000 إلى 13.4 في 2012. فبعد أن كان نصيب الواردات الأمريكية تمثل المرتبة الثانية قبل 13 عاما، نجد أن نصيب الواردات الصينية تقدم من المرتبة الثانية إلى الثانية، تساوياً مع نصيب الواردات الأمريكية. كما أشار التقرير كذلك إلى استمرار نصيب واردات الاتحاد الأوروبي في المقدمة طوال الفترة الماضية ولكل، مع وتيرة تراجع مستمرة من 23.7 في المائة في 2000 إلى 19.5 في المائة في 2012. تدعونا هذه القراءة الشمولية لتطورات الرقم القياسي العام لتكلفة المعيشة وبنود سلة المستهلك وانعكاساتها على معدل التضخم والعلاقة مع الواردات، إلى النظر بعين التفاؤل إلى الذي تحقق من خلال ذلك في سبيل تنويع قنوات الواردات بما يضمن الاستدامة في تدفقات السلع والبضائع إلى السوق السعودية. نظرة التفاؤل هذه من الأهمية التأكيد على استدامتها من خلال استمرار الجهات الحكومية ذات العلاقة بتوطيد علاقات شراكة جديدة وترسيخها، بما يحقق تساويا في معدل الواردات السعودية من شركاء تجاريين سواء قائمين أو مستهدفين.
إنشرها