الحد الأدنى للأجور .. أين القضية؟
منذ فجر علم الاقتصاد لم تشغله قضية كقضية أجور العمال، ولقد انقسم العالم منذ قرن من الزمان حول هذا الموضوع، واندلعت الثورات، وتغيرت حكومات، بسبب هذه القضية، لقد تعلم العلم من كوارثه السابقة أن وضع حد أدنى للأجور لا تنخفض عنه، قد يساعد في تلافي كثير من المشكلات والأزمات وخاصة السياسية، ولكن برغم حل الحد الأدنى بقيت هذه المشكلة متجذرة ومتجددة، فهي بطبيعتها متجذرة في قلب النظرية الاقتصادية طالما أن العمال مصدر من مصادر الإنتاج، وهم في الوقت نفسه المستهلكون لهذا الإنتاج، كما أنها متجددة كلما تغيرت القوة الشرائية للعملة، وكلما زاد عدد العمال وزادت احتياجاتهم. لذلك ما إن تهدأ بوضع حد أدنى للأجور حتى يعود النقاش حولها من جديد. وقد شغلت هذه القضية أهل الاقتصاد، ورجال الأعمال حتى صدر الأمر السامي بتحديد ثلاثة آلاف ريال حدا أدنى للأجور في القطاع العام، وتبعه القطاع الخاص بفعل ضغط "نطاقات" للتوطين.
لكن، وكما هو متوقع، عادت هذه القضية إلى الواجهة الاقتصادية مرة أخرى، فقد قدرت دراسة للجنة الوطنية العُمّالية، الحد الأدنى لأجور العمالة الوطنية بنحو 5800 ريال شهريا، وهو رقم سيكون محل جدل كبير، برغم أن الدراسة اعتمدت على أربعة عوامل: المستوى العام للأجور في السعودية، وتكاليف المعيشة وتغيراتها، والعوامل الاقتصادية، إضافة إلى احتياجات العُمّال وأسرهم. ومع الجدل الواسع حول هذا الرقم والرغبة الدائمة والمستقرة لدى رجال الأعمال بترك هذه القضية للعرض والطلب، مع ما في هذا الطرح من مخاطر، إلا أن الجيد في الأمر برمته أنه ظهر من تحت عباءة وزارة العمل في منتدى الحوار الاجتماعي، ومن الجيد أيضا أن يشير وكيل وزارة العمل للشؤون العمالية، إلى أن هذا الموضوع ليس سهلا، والوصول فيه إلى رقم محدد يحتاج إلى فتح حوار موسع، وأنه سيتم إشراك مركز الحوار الوطني في هذا الموضوع ثم سترفع النتائج بعد ذلك إلى المقام السامي.
وبعيدا عن كل هذه الأرقام ومدى دقتها ومدى اتفاق الأطراف عليها، فإن ما يبعث على السرور هو الدور المهم الذي بدأت وزارة العمل القيام به، وهو أن يكون لديها من يمثل صوت العمال الوطنيين، ويهتم بشأنهم ويمثلهم ويدافع عنهم بغض النظر عما إذا كان مثل هذا الصوت يعجب رجال الأعمال أو لا يعجبهم، بل من المهم أن يصل وأن يكون مسموعا، وأن يجلس جميع الأطراف على طاولة المفاوضات والحوار والنقاش المثمر لمصلحة البلاد والعباد واستمرار النهضة الشاملة والدفع بعجلتها إلى الأمام، وللحقيقة خطت وزارة العمل في هذا خطوات رائعة تحتاج إلى الدعم والتثبيت. وتأييدا لهذا المسار الصحيح والجيد، من الضروري أن تجد وزارة العمل طريقة للوصول إلى العمال والحوار المباشر معهم في منتديات ولقاءات خاصة بهم، وأن تتأكد أنها تعرف همومهم بالضبط، وأن لديها من الخطط والبرامج ما يحقق لهم هذه الطموحات المشروعة بطريقة صحيحة.