الانتحال الإلكتروني

يعتمد البعض قبل البدء في التعامل مع خدمة ما تابعة لمؤسسة حكومية أو خاصة، مثل المحال والجامعات والفنادق وكثير من مؤسسات القطاع الخدمي، أو قبل شراء منتج ما مثل الأجهزة والملابس وحتى الأطعمة، على التحري وسؤال المعارف باهتمام. ومن الملاحظ، اعتماد الكثير على آراء غيرهم في منتج أو خدمة ما، وأن قراراتهم تتأثر بشكل كبير بوجهات النظر التي يحصلون عليها، سلبية كانت أو إيجابية.
مع بداية العقد الماضي استخدم بعض الأفراد أساليب أخرى للتحري عن المنتجات والخدمات عن طريق البحث في الإنترنت، والسؤال في المنتديات والمواقع المخصصة للتقويم، حيث يلاحظ كثير منا تزايد تخصيص صفحات ومواقع إلكترونية لتقويم الخدمات والمنتجات. بل أصبح البعض يبادر بذكر مزايا وعيوب منتج ما أو خدمة ما بعد تجربته لها. وقد بينت دراسة شركة العلاقات العامة والتسويق الأمريكية Cone Communications في بحثها المتتبع لتأثير توجهات الإنترنت، أن المعلومات التي يتم الحصول عليها من الإنترنت تعد معلومات موثوقة ويمكن الاعتماد عليها بالنسبة لما يصل إلى 89 في المائة من المستهلكين.
تزايد تقويمات المستهلكين كون ضغطا كبيرا على بعض المؤسسات، وقد تؤدي إلى نجاحها أو فشلها بشكل كبير. مما حدا ببعضها إلى الاستعانة بأشخاص يعملون على انتحال شخصيات مستهلكي الخدمة للقيام بمدح وذكر مزايا خدمات المؤسسة ومنتجاتها وتقويمها بشكل إيجابي في مواقع الإنترنت، أو للقيام بانتقاد الشركات المنافسة. لذا، أوضح تقرير لجريدة ''الجارديان'' البريطانية بداية العام الحالي، أن بعض المؤسسات عمدت إلى استخدام طلبة الحاسب الآلي في بعض الدول النامية مثل الهند وبنجلادش وإندونيسيا، للقيام بالتقويم لهم على مواقع الإنترنت أو ضد بعض المؤسسات المنافسة. عمدت هذه المؤسسات إلى استغلال هؤلاء الطلبة بسبب حاجتهم للمال وتدني الرسوم المدفوعة لهم، إضافة إلى قدرة هؤلاء الطلبة على إظهار التقويم بشكل يبدو كأنه صادر من بريطانيا من أجل خداع المستهلكين.
يظهر عديد من الأسئلة حول قانونية التلاعب بالتقويم، ومدى استمرارية ثقة المستهلكين واحتمال توقفهم عن التعامل مع المؤسسات حال معرفتهم بأساليب خداعهم. وقد يعمل بعض المستهلكين على الانتقام عن طريق التقويم السلبي، مما يسهم في خسارة المؤسسة. ويبدو أن كثيرا من المستهلكين بدأوا أخيرا بملاحظة هذا التلاعب، الذي هو في تزايد مستمر في عديد من المواقع الإلكترونية والمنتديات.
وربما لاحظ البعض، من خلال التعليقات المنشورة في الأماكن المخصصة للتقويم في بعض مواقع الإنترنت وتطبيقات الجوال، على سبيل المثال، أن ثقافة التقويم لم تنتشر بشكل كبير في مجتمعنا العربي، مع ذلك يمر على كثير منا شيء من التعليقات والتقويمات لبعض المنتجات أو الخدمات ويعمل بها، حتى وإن امتنع الأغلبية عن المشاركة بآرائهم.
لعله من الأجدر لبعض المؤسسات العمل على تحسين خدماتها ومنتجاتها عوضا عن إهدار الجهد والمال والاستخفاف بالمستهلكين. خاصة أن بعض المواقع مثل Amazon بدأت بمراقبة وكشف التقويمات المزورة ومنتحلي شخصيات المستهلكين. وعملت مواقع أخرى مثل Yelp بالعمل على التشهير ببعض المؤسسات عن طريق الكشف عن التقويمات الكاذبة وتحذير المستهلكين من عدم مصداقية المؤسسة.
لا يمكن التشكيك في أن الانتحال بشتى أنواعه والتقويم لصالح بعض المؤسسات، أحد أنواع الغش الحديثة، وبالتالي النظر في فرض عقوبات من قبل الهيئات المختصة، والعمل على التشهير بالمؤسسات المخادعة سيحدان - بإذن الله - من هذه الممارسة غير الأخلاقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي