حكم الضرورة لا الخيار

للعصر وحداثته سطوته على الحياة والناس، فهذه الألفية الثانية من التاريخ البشري تحمل مفاهيم على الدول تبنيها بدل مفاهيمها السابقة، أو أنها ستبقى في معايير التخلف، ومنها ما يُعرف باقتصاد المعرفة الذي لم يعد خياراً؛ بل ضرورة للحياة.
يُعرف اقتصاد المعرفة، بأنه استخدام التقنية وتوظيفها بهدف تحسين نوعية الحياة بجميع مجالاتها من خلال الإفادة من الأفكار المبتكرة والاستثمار بها وتصنيعها، أو تطويرها، هذا هو التعريف الشائع والمتداول لكن اقتصاد المعرفة كمفهوم يتعدّى ما جاء في هذه السطور إلى فكرة عظيمة تعلي شأن عقل الفرد وفكره وتحث على تبنيها وإنتاجها، ففي اقتصاد المعرفة العقل والإنسان هو أكبر مدخلات التنمية كفكر وليس المال وقوة العمل.
حقيقة من المهم أن تشرح الفكرة، وأن تصير واضحة يعرف الجميع أبعاد مفهوم اقتصاد المعرفة لتشجيع مساهمة اجتماعية بالابتكار، لكن المشكلة أن القطاعات المعنية بهذا المفهوم لا تفعله، وتلجأ للحل الأسهل استيراد منتج المعرفة، إما أنها لم تستوعب المفهوم، وإما أنها مترددة من واقع جبن رأس المال عن اتخاذ مبادرات، والاستثمار في منتجات العقول، وهي منتوجات افتراضية لا يمكن رهنها أو نقلها كما تعوّدنا، ومن هنا يفضل رأس المال البقاء في دائرة الاقتصاد النمطي وهو اقتصاد يستورد المصنع والمصنوع ومواد الخام ولا يضيف شيئاً من فكر وإبداع الوطن، ولا أكذبكم القول أإني أمضيت وقتاً في محاولة فهم المعنى العظيم لمفهوم اقتصاد المعرفة الذي هو تغيير جذري ينقل اقتصادات ميتة لواجهة الحياة، ويجعل دولاً تخرج من ربقة التخلف لواجهة الحضارة.
غموض المفهوم خلق التردد وكل التفاسير تلجأ للبسيط، وهو تبني مخترع وتصنيعه، لكن هذه مرحلة متأخرة جداً في اقتصاد المعرفة، بل المطلوب أن تكون لنا مساهماتنا المبتكرة في صناعات ومبادرات، فنحن دولة مواردها الطبيعية قليلة واستثمارها يجب أن يتجه لمنتج عقلي يغيّر وجه الحياة، ويوفر العمل لعقول وأيدي آلاف الشباب المتطلع للعصر، وما تجربة كوريا وغيرها بعيدة عنا.
سهل أن نعيد إنتاج السلع والخدمات لكن ابتكار سلع جديدة أو تطوير سلع قائمة على أساس المعلومات والاتصالات هو مجال المعرفة الحقيقي، ولذلك نرى أمامنا دولاً تقفز من صفوف التخلف لمقدمة العالم الصناعي والسبب تبنيها اقتصادات غير تقليدية وفكراً غير تقليدي تسهم فيه عقول متعلمة.
اقتصاد المعرفة منظومة متكاملة يسند بعضها بعضا في ذهنيات مختلفة لا تؤمن بالمستحيل ولا تخاف خسارة رأس المال، حيث يقوم اقتصاد المعرفة على تبني فكرة والإيمان بها وبجدواها وتطويرها لتكون مستهلكة ومربحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي