دعم الأعمال الصغيرة (2 من 2)

تحدثت في الجزء الأول من هذه المقالة عن الأعمال الصغيرة والتحديات التي تواجهها، وزيادة إمكانية الفشل في السوق السعودية لأسباب عديدة. يبقى أن نبحث في قضية حل مشاكل هذا القطاع المهم ليتمكن من المساهمة في الاقتصاد ويضمن توطين الوظائف، والاستفادة من الأفكار الخلاقة التي تنشأ عادة منها هذه الشركات.
للحق أقول إن صديقي كفاني مؤونة ذلك فقد زودني بمراجع كثيرة يمكن أن أختار منها، كما قدم لي معلومات جيدة يمكن اعتبارها مكونات لخطة وطنية شاملة تهتم بإيجاد ما يسمى بـ "حواضن الأعمال الصغيرة" التي حاولت عدة جهات أن تتبناها ولا تزال آثارها غير مرئية. هذه الحاضنات تقدم الدعم والحماية والتمويل للأعمال الصغيرة لفترة محددة، لتنهض بعدها بنفسها وإمكاناتها الذاتية. تقدم الحاضنات الدعم الإداري والتقني والتخطيطي لضمان النجاح لقطاع الأعمال الصغيرة.
تدعم كل دول العالم الشركات الصغيرة. تصل نسبة الشركات الصغيرة في دولة مثل أستراليا إلى 95 في المائة من حجم الاقتصاد الكلي، وتعمل في مجالات مختلفة. تحصل الشركات على الدعم من قبل مؤسسات الإقراض الحكومية، وتقدم لها وزارات الاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة والخدمات النصح والإرشاد في مجالات الإدارة والإنتاج والتسويق، وقد تبقى مثل هذه الشركات تحت رعاية الدولة لحين تقف على قدميها. يعتبر الكثير من المسؤولين نمو نسبة الشركات الصغيرة في الدولة واحدة من أهم دلائل نجاحهم، ويسعون لاستخدامها في دعاياتهم الانتخابية.
يمكن أن تساهم التشريعات الحكومية في دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة بالاستفادة من التشريعات التي أثبتت نجاحها في دول أخرى. ففي الولايات المتحدة "مثلاً"، صدر قانون الأعمال الصغيرة في عام 1953 والذي يلزم الدولة بمنح نسبة معقولة من العقود للشركات الصغيرة، قدرت هذه النسبة بـ 23 في المائة. كما منح الاتحاد الأوروبي الفرصة للشركات الصغيرة للدخول في كل المنافسات المتوافرة من خلال تقديم العروض إلكترونياً كوسيلة لدعم الأعمال الصغيرة.
أقرت الولايات المتحدة في عام 1996 الخطة الوطنية لدعم الأعمال الصغيرة والمتوسطة، التي تساهم في توظيف ما لا يقل عن 26 في المائة من حجم العمالة في الاقتصاد. نصت هذه الخطة على توفير البيئة القانونية الداعمة، ودعم الوصول إلى الأسواق والمنافسات الحكومية، وتقديم التسهيلات البنكية والإقراض، وتوفير التدريب الملائم من خلال الدعم الحكومي، وتسهيل الوصول إلى المعلومات بشكل عام، ودعم المؤسسات والهيئات التي تتبنى وتشجع الأعمال الصغيرة والمتوسطة.
يمكن أن نضيف مجموعة من الإجراءات التي تساهم في تمكين الأعمال الصغيرة و المتوسطة، مثل ما يلي:
ــــ منع الشركات الكبيرة من منافسة الشركات الصغيرة على مشاريع ذات سقف محدد "أربعة ملايين مثلاً".
ــــ تحديد نسبة من ميزانية مشاريع كل جهة حكومية أو شبة حكومية، تصرف فقط على عقود مبرمة مع شركات صغيرة.
ــــ يمكن أن تلزم مصلحة الزكاة والدخل بالتعاون مع الوزارات المعنية شركات القطاع الخاص بتحديد نسبة من مشترياتهم تمنح للشركات الصغيرة، كما كانت تفعل شركة أرامكو السعودية حين دعمت الكثير من المشاريع الصغيرة لتصبح من أكبر شركات الوطن اليوم، وهو جزء من مسؤولية هذه الشركات تجاه المجتمع.
ــــ وضع العقوبات المناسبة لضمان الالتزام بهذه التشريعات.
ــــ إلزام البنوك وشركات التمويل بتحديد نسبة للشركات الصغيرة من التسهيلات والتمويل الذي يمنح للشركات بشكل عام و وتنفيذ برنامج تمويل من صناديق الدولة لهذه الشركات يكون أكثر ارتباطاً وعناية بنجاح هذه الشركات. ولنا فيما تنفذه دول العشرين أسوة يمكن أن نبني عليها.
ــــ كما يمكن أن تعمل وزارة الاقتصاد والتخطيط على تنفيذ برامج بالتعاون مع وزارة المالية والتجارة والصناعة والزراعة وغيرها تدعم وجود الأعمال الصغيرة وتوفر لها البيئة المناسبة للنمو. تشمل الخطط برامج الدعم الإداري والبحثي والإنتاجي والتسويقي. حيث إن أغلب البرامج الموجودة حالياً تساهم، ولكن بشكل محدود في تكوين هذه الأعمال وضمان استمرارها.
إن دعم الأعمال الصغيرة والمتوسطة يجب أن يبنى على مجموعة من الاشتراطات المهمة، والتي لا بد أن تعتمدها الجهات الداعمة:
ـــ من أهمها مساهمة هذه الأعمال في توفير الفرص الوظيفية للمواطنين، هذا يعني أن نشجع الصناعات والأعمال ذات المردود الاقتصادي العالي، والتي توظف مستويات معينة من المؤهلين علمياً، خصوصاً أن هناك نسبا كبيرة من الشباب المؤهلين الذين لا يجدون وظائف تناسب تأهيلهم.
- يجب أن تكون الأعمال المدعومة مساهمة في تنويع الاقتصاد و الإضافة إليه، هذا يعني أن نهتم بمجالات التقنية العالية، والصناعات الحديثة، والخدمات غير المتوافرة أو المحدودة حالياً، وهي كثيرة.
ــــ تعطى الأولوية في الدعم لتلك الأعمال التي تساهم في تغطية العجز في ميزان التبادل التجاري مع دول معينة، كاستراتيجية وطنية تهدف للاكتفاء الذاتي، وقد يكون هذا من المجالات التي يبرع فيها رجال الأعمال عندما يحصلون على المعلومات الإحصائية التي تفيد في اتخاذ قرارات الاستثمار.
يمكن أن تقدم هذه الجهات المعلومات اللازمة لمتخذي القرار الاستثماري بما يضمن أن تبنى القرارات على معلومات واضحة للوضع القائم وتوقعات الاحتياج المستقبلي. كما يجب أن تعمل هذه الجهات بالتعاون مع المؤسسات الأهلية والهيئات وكبار الشركات في تنفيذ دراسات وأبحاث جدوى تقترح للمستثمرين المشاريع ذات الربحية والإضافة للاقتصاد بجهد مقنن وبطريقة علمية تضمن اتخاذ القرارات الاستثمارية الصحيحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي