Author

لماذا تقليص العجز والديون الآن؟

|
في مختلف أنحاء العالم، تعمل المناقشات المحتدمة حول ضرورة توقيت وكيفية ومدى تقليص العجز الضخم في الميزانية والمستويات المرتفعة من الديون السيادية على تقسيم صانعي السياسات والرأي العام. وتتكاثر تدابير الإنفاق والسياسات والمقترحات الضريبية والنقدية والتنظيمية التي تتسم بالتضارب التام. هل نقلص ديون الموازنة، أم لا، تلك هي المسألة. ويطالب اليسار السياسي بالمزيد من الإنفاق، وزيادة الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة، وتأخير تقليص العجز والديون، على سبيل المثال، يقترح الخبير الاقتصادي والكاتب في صحيفة ''نيويورك تايمز'' بول كروجمان الانتظار لعشر سنوات أو 15 سنة. ''وقد ساق العديد من الأشخاص أنفسهم الحجج لأسباب مماثلة ضد سياسات خفض التضخم الناجحة التي تبناها بنك الاحتياطي الفيدرالي في أوائل ثمانينيات القرن العشرين''. ويدعو اليمين السياسي إلى خفض العجز بسرعة أكبر من خلال خفض الإنفاق. في أوروبا، يطالب صانعو السياسات، بما في ذلك البنك المركزي الأوروبي، بتقليص العجز والديون لدى الدول المثقلة بالديون، ولكنهم يتسمون بالمرونة في المفاوضات؛ ولكن الناخبين يرفضونه ــــ كما حدث في إيطاليا أخيرا. وفي الولايات المتحدة، يقترح الجمهوريون ضبط الموازنة في غضون عشرة أعوام من خلال إصلاح الإنفاق على برامج الاستحقاقات والضرائب ''مع الإقلال من عدد الإعفاءات والخصومات، والائتمان الذي يوفر العائدات المطلوبة لخفض معدلات الضرائب الشخصية ومعدلات الضرائب على الشركات، التي تعد الأعلى على الإطلاق بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عند مستوى 35 في المائة''. ويقترح الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأمريكي جمع 1,5 تريليون دولار في هيئة ضرائب أعلى على مدى الأعوام العشرة المقبلة ''فضلاً عن 600 مليار دور تم الاتفاق عليها في أوائل كانون الثاني (يناير)''، و100 مليار دولار (ضعف ما اقترحه الديمقراطيون في مجلس النواب) في هيئة إنفاق تحفيزي جديد، وخفض الإنفاق بشكل أكثر اعتدالاً ولأمد أطول. وتعني نسختهم من الإصلاح الضريبي خفض الاستقطاعات للأثرياء والشركات، مع عدم خفض المعدل. ولكن ما التكاليف والفوائد المحتملة التي قد تترتب على الحوافز في مقابل تقليص العجز والديون؟ وما أفضل مزيج من خفض الإنفاق وزيادة الضرائب؟ يتفق خبراء الاقتصاد على أنه في حالة التشغيل الكامل للعمالة، يعمل ارتفاع الإنفاق الحكومي على مزاحمة الإنفاق الخاص. وتُظهِر النماذج الكينزية التي تزعم أن الإنفاق الحكومي الأعلى عند مستوى أدنى من التشغيل الكامل للعمالة يعطي دفعة سريعة أن التأثير سرعان ما يتحول إلى السلب. ولهذا فلابد من تكراره، مثل الدواء، من أجل دعم الاقتصاد. بيد أن هذه الاستراتيجية كانت سبباً في تكبيل اليابان بأعلى نسبة ديون إلى الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم، وبلا فائدة تُذكَر. لا شك أن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن زيادة الإنفاق الحكومي قد تكون فعّالة في رفع الناتج ومستويات تشغيل العمالة بشكل مؤقت أثناء الركود العميق والطويل عندما يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة القصيرة الأجل إلى الصفر. ولكن الأبحاث نفسها تشير إلى أن مضاعف الإنفاق الحكومي من المرجح أن يكون صغيراً أو حتى سلبياً في مجموعة متنوعة من الظروف، وأنه سيتقلص بسرعة في كل الأحوال. وتكشف أبحاث حديثة أيضاً عن أن تقليص العجز والديون بنجاح في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية منذ الحرب العالمية الثانية ــــ والذي تم تعريفه باعتباره تثبيتاً لاستقرار الميزانية مع تجنب الركود ــــ بلغ في المتوسط من خمسة إلى ستة دولارات من خفض الإنفاق الحقيقي عن كل دولار من زيادة الضرائب. وكان خفض الإنفاق، وخاصة على برامج الاستحقاقات والتحويلات، من غير المرجح أن يؤدي إلى الركود بالقدر نفسه مقارنة بالزيادات الضريبية. ولكن من المؤسف أن الغلبة كانت للزيادات الضريبية في العديد من حالات تقليص العجز والديون في أوروبا، بما في ذلك خطة إنقاذ قبرص المقترحة في الأسبوع الماضي. وإذا كانت هناك بعض الحوافز القصيرة الأجل التي يتم تنفيذها في الوقت المناسب وعلى نحو من المرجح أن يؤدي إلى زيادة الناتج وفرص العمل بتكاليف معقولة في الأمد البعيد، فما كنت لأتردد في دعمها. ولكن الأدلة تشير إلى أن السياسة المالية الفعّالة، حتى عند بلوغ أسعار الفائدة مستوى الصفر، تظل تشكل في أفضل تقدير احتمالاً نظريا، وخاضعاً لقيود سياسية شديدة. وفي حين قد يعني خفض العجز والديون بعض التكاليف القصيرة الأمد، وخاصة في أوقات الركود، فإن التكاليف البعيدة الأمد المترتبة على التأخير باهظة. وقد يكون من الأفضل أن يتم تنفيذ برنامج معقول لخفض العجز والديون تدريجيا؛ ولكن تقليص العجز والديون لابد أن يمضي قدماً في كل الأحوال، وفي المقام الأول من خلال التحكم في الإنفاق. خاص بـ «الاقتصادية» حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.
إنشرها