«أمانة الرياض» وحملة «بيئة الأحياء»

يقول أحد الأصدقاء متذمرا يسكن حيا جديدا: إنه يضطر لإصلاح إطارات سيارته وسيارات أبنائه وعائلته بشكل متكرر ويبدلها بأقل من العمر الافتراضي لها بكثير، وذلك بسبب مخلفات البناء التي يرميها العمال بالقرب من المساكن تحت الإنشاء، خصوصا المسامير والبراغي، ويكلفه هذا مبالغ كبيرة، خصوصا أن أسعار الإطارات يصل بعضها إلى 1500 ريال، ويضيف أن الحي يشهد تلوثا هائلا بكل أنواعه، حيث تلوث الهواء من الحفر والردم ونخل الصخور وحيث التلوث السمعي الناتج عن أصوات الدقاقات والشاحنات وغيرها والتلوث البصري حيث الردميات المتناثرة والمخلفات.
صديقي هذا يضيف ساخرا أنه كان يتوقع أن هذا حال الأحياء الجديدة، لكنه صدم عندما ذهب لأحد أصدقائه في حي يعتقد أنه اكتمل منذ أكثر من 30 سنة ليمر في شارع فيه أكثر من منزل جديد والمخلفات منثورة في الطريق، ما أدى إلى تلف إطار سيارته، ويضيف ضاحكا هل هو النحس؟ أم هو حال الجميع؟ موضحا أنه كلما ذهب لإصلاح أحد الإطارات من مسمار اخترقه يجد زبونا مثيله يشتكي إلى الله مرارة الحال والخسائر الباهظة المتكررة.
وفي شارع جميل في منطقة الدرعية مشجر وفيه أرصفة مشي وعلى بعض جنباته مسطحات خضراء وجلسات أسمنتية كنت أمارس رياضة المشي مع أحد الأصدقاء ونحن نرى الناس في بهجة وسرور وارتياح نفسي قال لي بكل عفوية: لماذا لا تكون شوارع أحيائنا هكذا؟ لماذا لا يتكرر مثل هذا الشارع في كل حي؟ فقلت له لماذا؟ قال أشعر بأنني خارج الرياض من جمال المنظر ونظافة البيئة، وبما أنه نفذ هنا فبالتالي يمكن تنفيذه في الأحياء كافة.
من جهتي أقول دون أدنى شك كل من يمشي بسيارته أو راجلا في أحياء الرياض يشك أنه في مدينة حديثة لم يمض على معظم أحيائها 50 سنة، بل إن أغلبية الأحياء لم يمض عليها أكثر من 20 سنة، فالطرق تالفة تتطلب سيارة دفع رباعي مخصصة للطرق الوعرة، والحفريات لا تنتهي وبناء المساكن مستمر لأكثر من عقدين من الزمان، ولا فصل لحركة المشاة عن حركة السيارات عن مواقفها، فالكل متداخل بشكل مؤلم، وأما الردميات والمخلفات فتملأ كل الأحياء دون استثناء حتى بتنا نتعايش معها بشكل دمر الذوق العام، وأما المعدات الثقيلة فمتناثرة في طرقات الأحياء، وبالمختصر أن مصطلح ''حي'' لا ينطبق عليها، لأنك لا ترى حياة مجتمع هذه الأحياء بقدر ما ترى حركة السيارات والمعدات والعمالة.
أطلقت ''أمانة الرياض'' سابقا قبل أكثر من خمس سنوات -حسب- علمي مصطلح ''أنسنة مدينة الرياض'' واستبشرنا خيرا وتمنينا أن نعرف المحاور الرئيسة التي سينطلق برنامج ''الأنسنة'' هذا فيها، وكنا نتمنى أن ينطلق في المحور البيئي بشكل أساسي، حيث توضع كل أنواع التلوث البيئي السائدة في الرياض ويتم التصدي لها بشكل فاعل وبكفاءة عالية بإصدار أنظمة وإجراءات جديدة وتطبيق الملائم من السابق بحزم على الجميع كما نراه في مدن خليجية ولا نقول: أوروبية مثل دبي والدوحة على سبيل المثال، حيث لا يمكن لأحد أن يبني مسكنا أو مبنى إلا بعد أن ينفذ كل الاشتراطات اللازمة لحماية الحي والمارة والبيئة.
إذا تركنا مشكلة عدم وجود شبكة أنفاق خدمات في الأحياء وما يترتب على ذلك من حفر وردم متكرر لتمرير خدمات الماء والكهرباء والهاتف والصرف الصحي وتصريف الأمطار فلا يمكن أن نترك بحال من الأحوال ما تحدثه هذه الحفريات من تلفيات في الطرق وما تخلفه من ردميات تضاف إلى ردميات بناء المساكن التي يترك أصحابها مخرجات الحفر دون نقلها للأماكن المخصصة وما تردمه القلابات المخالفة في الأحياء وشوارعها تحت جنح الظلام، ونحن نعلم علم اليقين أن هذه المشكلات يمكن التعامل معها والقضاء عليها إذا طبقت الأنظمة والإجراءات بحزم وبمتابعة شديدة، وفي أسوأ الأحوال إذا عجزت ''الأمانة'' وبلدياتها عن ذلك عليهم بمعالجة الأخطاء في الشوارع وإزالة الردميات، التي فضلا عما تحدثه من تلوث بصري باتت مرتعا للفئران والحيوانات الضالة.
التلوث البصري، وهو اختفاء الصورة الجمالية لكل شيء، يحيط بنا من أبنية وطرقات وأرصفة ومساحات ''فاضية''، والتلوث السمعي، وهو انتشار الضوضاء والأصوات المزعجة، باتا سيدي الموقف في الأحياء ولا بارقة أمل لحل سريع يريح العين والسمع ويؤسس لأحياء مبهجة تخلق البسمة وتحافظ على الصحة والبيئة، أحياء يستطيع أبناؤنا ونساؤنا المشي فيها دون خوف أو وجل ليصبحوا أكثر حيوية وصحة ويتخلصوا من مسببات أمراض الضغط والسكري والسمنة والكسل والخمول.
دون أدنى شك حملة الجوازات الأخيرة على مخالفي أنظمة الإقامة الذين شوهوا سوق العمل، ما أدى إلى بطالة كبيرة بين المواطنين وهروب العمالة المنزلية بشكل كبير شكّل ظاهرة يعانيها الجميع، أقول: لا شك أن الحملة الأخيرة أحيت في نفوسنا الأمل، حيث أظهرت أن الأجهزة الحكومية متى ما أرادت أن تعمل على معالجة المشكلات من جذورها فإنها تستطيع وفي وقت قياسي متى ما حصلت على الدعم السياسي والشعبي، ولا شك أن البلديات ستجد كل الدعم السياسي والشعبي إذا رتبت حملات مشابهة لمعالجة وضع الأحياء وحماية أهلها والبيئة مما هو قائم الآن، حيث الاستهتار والمخالفة لكل قواعد البناء وحماية مستخدمي الطريق في الأحياء وقواعد الحفر ونقل المخلفات إلى الأماكن المخصصة، إضافة إلى التقاعس الكبير في تشجير الحي وتطوير حدائقه وأماكنه الترفيهية.
ختاما أقول: إن أمانة الرياض حققت نجاحات في مجالات متعددة لكن الشق ما زال كبيرا والمأمول أكبر، ونتطلع إلى أن تقوم بحملات علاجية لواقع الأحياء بكل مكوناتها تشتمل على حملات تهيئة وتوعية وحملات رصد وضبط ومعاقبة شديدة دون تردد أو تقاعس لتصبح أحياؤنا أحياء بمعنى الكلمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي