المملكة السادسة.. القانون والإصلاح
يستخدم المؤرخون السياسيون مصطلحات كثيرة لتمييز حقبة تاريخية عن أخرى، فالدولة العثمانية تختلف بين سلطان وآخر، وفي فرنسا بعيد الثورة الفرنسية، صارت الجمهوريات تسمى بالجمهورية الأولى والثانية، وهذه مصر بعد الثورة تسمى الجمهورية الثالثة، وبالتأكيد أن لكل فترة من هذه الفترات ما يجعلها مختلفة سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا عن سابقاتها.
وإذا أردنا تمييز المراحل التي مرت بها المملكة، فيصح لنا القول إننا نعيش في المملكة السادسة، ولنا أيضا أن نتمنى ونحلم بما يجب أن تكون مملكتنا السادسة لتتميز به عما فات منذ تأسيس المملكة على يد الملك عبد العزيز - رحمه الله - إلى عهد الملك فهد - رحمه الله - وهو الملك الخامس من ملوك المملكة. في عهد الملك عبد العزيز، كانت معركة التوحيد قد استهلكت معظم تلك السنوات، فتكون الكيان السعودي الحديث باسمه وحدوده الحالية، ومن ثم تولى الملك سعود - رحمه الله - الملك، في خضم تحول كبير يشهده العالم العربي بين مصر وسورية والعراق وفلسطين، إلا أن تلك الفترة تميزت بتشكل الهوية السعودية السياسية، وبالبدء في التخطيط لبناء البلد. ومع تولي الملك فيصل - رحمه الله - الملك، قام بتشكيل الجهاز البيروقراطي السياسي للبلد، فأنشأ الوزارات، وبدأت المملكة تدخل في أتون دهاليز السياسة الدولية. ومع تزامن تولي الملك خالد - رحمه الله - السلطة مع ازدياد أسعار النفط وانعكاسها الإيجابي على اقتصاد البلد، سميت تلك السنوات بسنوات الطفرة الاقتصادية، فبدأ البناء والإعمار في البلد، وتشكلت الهوية الاقتصادية للمملكة.
ثم أطل علينا عهد الملك فهد - رحمه الله - فتكاملت المشاريع، وبدأ دور المملكة السياسي بالبروز، خصوصا خلال الأزمات التي مرت على المنطقة إبان الثمانينيات ومطلع التسعينيات. ومع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مقاليد الحكم، كان الإصلاح والتطوير الهدف الرئيسي في توجهاته، ومما لا شك فيه أن هناك جهودا مضنية كانت وما زالت تصب في إصلاح البلد إصلاحا شاملا، وعلى الرغم من تحفظ البعض، إلا أن الانتخابات البلدية ودخول المرأة لمجلس الشورى، يمثلان نقلة كبيرة في جهود الإصلاح المستمرة. ونحن كمواطنين يجب علينا تكوين الصورة التي نريد من يأتي بعدنا أن يرانا بها، ومما لا شك فيه أن الإصلاح لا يتم دون تأسيس قانوني يستند إليه، فما نحتاج إليه الآن هو مشاريع ضخمة لإعادة إنتاج الأرضية القانونية للمملكة، بما يتناسب مع طموحات الملك والمواطنين، قوانين تقوم بنفسها تتلاءم مع تطور الدولة والمجتمع، وليكن اسم هذه المملكة السادسة مملكة القانون والإصلاح.