كيفية الاستفادة من الإجازة

تحل علينا بعد أيام قليلة الإجازة الصيفية عقب الاختبارات النهائية وشارف العام الدراسي الحالي على الرحيل بكل ما فيه من مواقف سواء كانت سعيدة أو حزينة، مضحكة أو مبكية، تركت أثرا إيجابيا في النفس أو سلبيا، ومر العام سريعا استفاد منه مَن استفاد وخرج منه آخرون دون أن يستفيدوا شيئا وهكذا مراحل حياة الإنسان التي يعيشها، ولكن في النهاية يحاسب المرء عن كل شيء، عن الكثير والقليل، عن القنطار والقطمير، فقد ورد عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أنه قال: "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ".

لذلك على كل واحد منا أن يُحاسِب نفسَه قبل أن يُحاسَب وأن يَزِن أعماله قبل أن تُوزَن عليه، وحتى لا يندم في ساعة لا ينفع فيها الندم، فالغرض من هذا المقال أن أذكِّر نفسي قبل أن أذكِّركم، قال تعالى: (وَذَكِّـرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) {الذاريات 55}.
إن الإنسان العاقل هو الذي ينظر إلى ما يفيده في دنياه وأخراه ولا يضيِّع آخرته بدنياه، بل يعمل لهما معا دون أن يطغى عمله لإحداهما على الأخرى، مصداقا لقوله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ). {القصص 77}.

مما سبق يتبين أنه لا تعارض بين العمل للدنيا والعمل للآخرة، فالإنسان رغم أنه يعمل للدنيا ولنفسه كأن يبني بيتا أو يشتري طعاما أو شرابا مما أحله الله لأنه ينوي بالطعام والشراب أن يقوى بهما على طاعة الله وحتى لا يهلك أو يمرض، وبذلك يقصر في عمله وأداء واجباته، وينوي ببناء البيت أن يحفظ نفسه وأهله ويسترهما عن أعين الناس، ويقيه الحر والبرد حتى يتمكن من عبادة الله على أفضل حال ويؤدي ما عليه، فعلى الرغم من أن العمل في ظاهره للدنيا فقط إلا أنه في الواقع للدنيا والآخرة، ولنا في رسولنا الكريم الأسوة الحسنة فقد كان يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق ويبني المسجد ويحفر الخندق ويمارس الرياضة (العدو) مع أُمِّنا عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ ويقود أصحابه في المعارك والغزوات ويستفيد من ليله ونهاره وينشر دين الله ويتحمل الأذى دون كلل أو ملل.
وللاستفادة من الإجازة الصيفية نورد بعض المقترحات لعلها تكون سببا في نفع أبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات من إجازتهم ـــ إن شاء الله:
1- العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف والمعالم الدينية التي تذكر الإنسان بالعهود الإسلامية السابقة وتجعل الإنسان يعتز ويفخر بما فعله سلفنا الصالح.
2- حفظ القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والمتون العلمية.
3- الالتحاق بالدورات التدريبية النافعة في الحاسب الآلي أو بعض اللغات أو دورات تتعلق بمجال يحبه الإنسان ويريد أن ينبغ فيه.
4- السفر إلى أماكن طبيعية خلابة (داخل البلد أو خارجه) للترويح عن النفس فيها دون أن يرتكب المحرمات وله أن يطلع في هذه الأماكن على المكتبات والأماكن التاريخية ويزيد من ثقافته.
5- الاستفادة من تجارب الآخرين ممن هم أكبر سنا الذين جربوا وفهموا الحياة ولكل إنسان شاب أن يجرب بنفسه ولكن يأخذ حذره وليكن حريصا واعيا.
6- التخطيط السليم لقضاء الإجازة من حيث المعلومات والإمكانات والوقت وغير ذلك مما يفيده في قضاء إجازته وحتى ينعم بكل ما فيها.
7- عدم اللوم المستمر للنفس إذا أخطأ الإنسان في شيء أو قصر فيه وعدم جلد الذات أو الندم على ما فات؛ حتى لا يتولد لديه عدم الثقة بالنفس أو تكرار المحاولة.
8- القراءة والاطلاع على الكتب والقصص المفيدة التي تقرب لنا البعيد وتطلعنا على حياة الدول وعاداتهم وتقاليدهم لنأخذ منها ما يناسب ديننا وعاداتنا وتقاليدنا.
9- الموازنة السليمة بين الإمكانات المادية المتاحة وما يتطلع إليه الإنسان أثناء الإجازة.
10- الزيارات الأسرية وصلة الأرحام ففيها السعادة ورضا الرحمن، إضافة إلى توطيد العلاقات الأسرية وترابطها.
11- عمل مشاريع بسيطة بين الأقران لا تكلف الكثير من المال سواء في المجالات العلمية أو غيرها من المجالات التي تمس الجوانب الحياتية التي تسهم في حل بعض المشكلات المعاصرة أو تطور مشاريع قديمة لا تناسب ظروفنا المعاصرة.
12- استغلال طاقات الشباب في العمل التطوعي والاجتماعي الذي يعود بالنفع على الآخرين ويكتسب من يقوم بذلك الشعور بالراحة والطمأنينة والثقة بالنفس والشعور بالرضا.
13- حضور الندوات والمؤتمرات التي يستفيد منها حاليا ومستقبلا.
14- المشاركة في الأنشطة والفعاليات الهادفة التي يخرج الإنسان فيها طاقته ويعبر عن إبداعاته ومكنون نفسه الدفين الذي لم ير النور بعد.
15- الاشتراك في الدورات الرياضية الصيفية التي يمكن من خلالها ممارسة الهواية المفضلة ولكن دون تعصب أعمى يخرج صاحبه عن الأخلاق الفاضلة الحميدة.
هذا غيض من فيض، فالاقتراحات كثيرة ولكن يظل القرار بيدك أنت يا من تريد أن تقضي إجازتك وتستفيد من وقتك، ولتعش حياتك ولتستمتع بكل ما فيها ما دام ذلك لا يتعارض مع ثوابت دينك ـــ كما أشرنا آنفا ـــ فالإنسان لا يولد عالما وإنما يمكث يتعلم ويستفيد من غيره حتى تفارق روحه جسده.
فعلى كل واحد منا أن يتفاءل ويستمتع بما لديه من نعم ـــ قد يعدها قليلة ـــ وينظر إلى الأرض من حوله والسماء فوقه والبحار على امتدادها والجبال على عظمتها والسهول والأراضي الفسيحة والخضرة والنماء ليعلم أنه يمتلك العالم ولا يعرف هذه الحقيقة إلا إذا استمتع بكل ما حوله وترك له في كل مكان ذكريات خالدة ترسخ في مخيلته ولا تتركه ما دام حيًّا يسعد بها عندما يتذكرها ويتمنى أن يعيش معها دائما.
يقول إيليا أبو ماضي:

كم تشـــــتكي وتقول إنك معدم والأرض ملكك والسما والأنجم
ولك الحقول وزهرها وأريجها ونـــســـيمها والبلبل المترنــم
والماء حولك فضــة رقراقـــــة والشمـس فوقك عسجد يتضرم
النور يبني في السفوح وفي الذرا دوراً مزخـرفة وحيناً يهـدم
فكأنـــــه الفنان يعـــرض عابـــثاً آيــــــــاته قـدام مــن يتعـلـم
وكأنه لصـفائه وســـنائـــــــــــــه بحر تعوم به الطيور الحوّم
هشت لك الدنيا فما لك واجمــــا وتبسمت فعلام لا تتبســـم؟
وفي الختام.. أتمنى من الجميع أن يسعد بإجازته وأن يقضيها فيما ينفعه في الدنيا والآخرة وأن يجدِّد بها نشاطه وحيويته ليستقبل بعدها عاما جديدا بكل تفاؤل وأمل وسعادة بعد أن يكون قد أزاح عن نفسه كل ما يكدِّر صفوها أو ينغِّص عيشها، بارك الله لكم في إجازتكم ومتَّعكم بكل لحظة فيها وأسعدنا وإياكم بطاعته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي