«الاتصالات المتكاملة» .. مَن المتهم؟

إعلان تصفية الشركة السعودية للاتصالات المتكاملة الذي صدر أخيرا؛ قرار تأخر كثيراً، فالشركة نموذج سيئ السمعة للشركات المدرجة في السوق السعودية، ليس بسبب طبيعة عمل الشركة ونشاطها وتركيبتها فقط، لكن بسبب ما صاحب تأسيسها والاكتتاب ثم الإيقاف الأول للتداول ثم الإيقاف الثاني للتداول، وحتى قرار التصفية، تخلل ذلك كثير من التصريحات المتضاربة والمناوشات حول الشركة من هيئة سوق المال وهيئة الاتصالات والشركة ومصرف الراجحي.
تصفية الشركة السعودية للاتصالات المتكاملة تعتبر أول حالة في سوق المال السعودية، تحدث كتصفية جبرية بقرار حكومي، الكلام حول الشركة كثير، والشركة أصدرت أكثر من بيان وكلها تحاول أن تقنع الجمهور والمساهمين بأنها بريئة من الإشكالات المثارة حولها براءة الذئب من دم يوسف، في حين كانت تصريحات الهيئتين، هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات وهيئة سوق المالية وكذلك وزارة التجارة حول الشركة وتأسيسها وإشكالات رأس المال والضمان البنكي مقتضبة للغاية.
في رأيي أن موضوع الضمان البنكي هو سر اللعبة، ولا أعلم كيف يتم تأسيس شركة بضمان بنكي! ثم كيف يصدر ضمان بنكي ويطالب المستفيد بتسييله ثم لا يتم التسييل؟! وكيف تقبل الجهات المسؤولة عن التأسيس بالضمان البنكي كبديل للنقد؟! وما موقف مؤسسة النقد؟ وما موقف مصرف الراجحي؟
إن كان قرار التصفية صائباً (وهو ما أراه كنتيجة بغض النظر عن التفاصيل)، فإن لي وقفات مع هذا القرار:
• من سيتحمل مسؤولية التأسيس الخاطئ للشركة أصلاً؟ هل وزارة التجارة؟ أم هيئة الاتصالات؟ أم هيئة السوق المالية؟ أم مؤسسة النقد؟
• هل الجهات المسؤولة جاملت مصرف الراجحي على حساب "الاتصالات المتكاملة"؟
• هل المشكلة فعلاً في خطة التشغيل والسندات لأمر أم في آلية التأسيس التي بنيت على باطل أصلاً؟
• كيف يتم تشكيل لجنة للتصفية من جهات ذات علاقة بالمشكلة أصلاً (وزارة التجارة والصناعة، وهيئة سوق المال، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات)؟ وكل الجهات الثلاث تقع في دائرة الاتهام حول مسؤولية التأسيس الخاطئ أصلاً؟
• ما دور المستشار المالي والمستشار القانوني والمحاسب القانوني في عملية طرح الشركة للاكتتاب العام؟ وهل تطولهم المسؤولية حول إشكالية الطرح؟
• هل سيتم تعويض المتضررين من المساهمين؟ خاصة المكتتبين الذين ما زالوا يحتفظون بأسهم اكتتبوا بها بناء على موافقات رسمية من المؤسسات الحكومية ذات العلاقة؟
• ما مسؤولية المؤسسين حول كل ما يحدث؟ وهل سيتحملون تعويض المكتتبين عن خسائرهم؟
• أخيراً .. هل يمكن أن تصدر قرارات بتصفية شركة مساهمة عامة؛ كما تم في حال الشركة المتكاملة بدون أحكام قضائية؟
العجيب في الأمر أن ينص قرار التصفية على أن تكون الأولوية في سداد التزامات الشركة للمكتتبين والمساهمين فيها من غير المؤسسين، وهي صياغة لا تتفق مع مبادئ المحاسبة والقانون، حيث إن حقوق المكتتبين والمساهمين لا تسمى التزامات، كما أن المكتتبين والمساهمين اختلطت حقوقهم فأصبحوا جميعاً مساهمين (أو حملة أسهم)، كما أن القرار تجاهل تماماً حقوق الدائنين من غير المساهمين، وهي حقوق تكون عادة مقدمة على حقوق الملاك من المساهمين، سواء كانوا من المؤسسين أو من غيرهم! وهذا يوضح أن من قام بصياغة القرار بعيد عن قطاع الأعمال والقانون.
إن التصفية خطوة مهمة لتنظيف السوق، لكن يجب إعلان الأسباب الحقيقية للتصفية، والتحقيق لتحديد الجهات المسؤولة عنها، وتحميلها المسؤولية والتعويض للمتضررين، كما أنه من المهم الاستفادة من هذه التجربة المريرة في إدراج الشركات المساهمة مستقبلاً، الأهم من ذلك أتمنى أن تكون حالة تصفية شركة الاتصالات المتكاملة كشركة مساهمة عامة سابقة ومقدمة لتصفية شركات أخرى عانتها السوق مثل شركة بيشة وما على شاكلتها.
الطريف في الأمر أن يكون اسم الشركة "شركة الاتصالات المتكاملة"، وهو اسم ينافي حال الشركة تماماً التي اعتراها النقص من بداية التأسيس! فكان التكامل عنواناً للنقص .. أما كبش الفداء فهم كالعادة من المساهمين الذين غرتهم موافقات الجهات الرسمية، التي ألبست الشركة لباس الثقة والمصداقية.
أتساءل.. كيف يمكن للمساهم أن يثق بسوق تحدث فيها مثل هذه الإشكالات! بل ما دفاعاتنا أمام المستثمرين الأجانب حين نتحدث عن السوق والحوكمة والاستقرار؟ ثم ما أثر هذه الحادثة في الثقة بالنظام المصرفي والضمانات البنكية، حيث لم تبين مؤسسة النقد موقفها تجاه قضية ضمان الراجحي حتى الآن؟
ختاماً .. الخاسر الأخير في قضية "المتكاملة" هو الوطن والمواطن، والقضية في ظني ستغلق ضد مجهول كما هي العادة .. ولسان حالنا سيقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي