القيد الاجتماعي

في جلسة "ما" تجد أحد الشعراء محمر الوجنتين وهو يقلب أوراقه ، أو يستعرض قصائده ذهنيا ؛ ليختار قصيدة يلقيها على مسامع الجلساء، ويجول بنظره في تضاريس الوجوه وهو يمسك ورقة ، ينظر فيها ، ثم يستبعدها ليختار قصيدة أخرى ، خصوصا عندما يمتلئ المجلس بكبار السن أو الملتحين ، وربما يقع اختياره على أقل قصائده في ميزان ذائقته ، لكنه يهرب تحت تأثير القيد الاجتماعي ( العيب ) الذي يظل يطارده مرتسما في الوجوه التي ينظر إليها ، وتحملق فيه ، وربما لا يعدو ذلك القيد ذهنه المترقب ، وهو لا يعلم أن لأصحاب تلك الوجوه التي رهبها قلوبا تتوق إلى سماع قصيدة عاطفية ، أو غزل عفيف .
ويمتد هذا القيد ليشمل الآراء ، فيضطر بعض الناس إلى الصمت على مضض ، أو الركمجة على أمواج المجاملة ، لأفكار بعض المتحدثين الذين يطرحون رؤىً يخالفها كليا أو جزئيا ، وفي هذا مافيه من رواج الأفكار والرؤى المغلوطة ، لربما تصححها كلمة ، أو يحولها موقف بسيط عن مسارها إلى ذات سريعة التأثر.

إن امتداد القيد الاجتماعي (العيب) داخل الذوات يزيدها عزلة واغترابا ، ويوغل في قمع الأفكار والإبداعات ، وكم وقف بعض الأدباء والمبدعين صامتين متجنبين التعبير عن المسكوت عنه ، تحت ضغط القيد الاجتماعي ، وسلطة (المجتمع الفاضل) ، فيترك المجال للآخرين البعيدين في تعرية واقع ذلك المسكوت عنه ، واستثماره لتوجيه سهام النقد اللاذع لأمتنا وثقافتنا المقيدة.

والأمر الصعب حقا أن يوجه النقد إلى المبدعين القلائل الذين يعرون الواقع الخاطئ ، وربما يصل الاتهام إلى تجريحهم ، ونفيهم عن دائرة الفضيلة ، والحق أنهم يستحقون الإكبار لأنهم سلطوا مصابيح إبداعهم على الثنايا المعتمة ، وليس من اللائق أن نطالبهم بوصف الأدوية في إبداعاتهم ، فأخصائي الأشعة لا يصرف الدواء للمريض ، رغم دوره العميق في التشخيص الدقيق ، وثمة من يكفيه عناء المعالجة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي