حوادث المرور في الخليج.. لم تفلح التوعية!

تسعى دول الخليج جاهدة منذ عام 1984 لنشر الوعي المروري بين أبنائها، وتبذل وزارات الداخلية في بلدانها جهودا مكثفة للحد من مخاطر القيادة، كما تقيم العديد من الحملات والمهرجانات وتوزع المنشورات وتسعى لنشر الشعارات الرنانة، مثل شعار السنة الحالية لأسبوع المرور الخليجي "غايتنا سلامتك"، وشعار السنة السابقة "لنعمل معاً للحد من الحوادث المرورية". وعلى الرغم من ذلك يلاحظ المتابعون قلة الوعي المروري وكثرة الحوادث التي تجاوزت 500 ألف حادث، عام 2011 حسب الإحصائية الأخيرة المعلنة لوزارة الداخلية السعودية، كما يلاحظ ازدياد أعداد الضحايا، حيث تجاوزت أعداد الوفيات فيها سبعة آلاف شخص، إضافة إلى أضعاف هذا الرقم من المصابين الذين تصل بعض حالاتهم إلى شديدة وبعضها إلى إعاقات حركية دائمة.
تتجاوز تكاليف الحوادث المرورية مليارات الريالات سنويا، ويتفق الكثير على أن الحوادث المرورية تكلف الدول خسائر اقتصادية كبيرة يسعى الاقتصاديون سنويا لحصرها وتوثيقها. مع ذلك يجب ملاحظة الآثار المستمرة الناتجة عن إصابات أو وفيات حوادث المرور، قد تؤدي بعض الحوادث المرورية إلى وفاة عائلي أُسر لا تستطيع إيجاد مصدر آخر لدخلها، أو من فئة الشباب التي تبين الإحصائيات أنهم يمثلون غالبية ضحايا حوادث المرور. الفاقد الاقتصادي لوفيات الشباب ووفيات العائلين لأسرهم كبير جدا ومستمر ويقدر بعدة ملايين في الحادثة الواحدة ولا يمكن حصره في الدية.
يرى البعض أن الدية لها أثرها، وقد يصفها البعض بالكافية لتعويض الأسر التي فقدت عائلَها، أو حوّلته إلى شخص عاجز في حاجة إلى من يعوله، ولكن يبدو أنه في وقتنا الجاري، حتى بعد رفع الدية من 100 ألف إلى 300 ألف ريال، كما أشارت بعض الصحف، أنها لا تكفي لتغطية مصاريف الحياة التي يوفرها عائل الأسرة.
تمت الإشارة فيما سبق إلى الآثار الاقتصادية لحوادث المرور، ولكن الآثار الكبيرة على المجتمع والأسرة التي منها النفسي والاجتماعي والتربوي والأسري وربما تمتد للأخلاقي والديني، تجاهلتها كثير من الدراسات. لعلي أذكر أن الحوادث المرورية المسببة للوفيات قد تؤدي إلى حرمان بعض الأطفال من النصح والإرشاد الأبوي، وقد تؤثر بشكل كبير على الاستقرار النفسي في بعض الحالات، مما يؤدي لنشوء شباب غير مبالٍ ولا مستقرٍ نفسيا أو ماديا.
من متابعتي للإحصائيات في المملكة ودول الخليج وكثير من دول العالم، يظهر أن الغالبية الساحقة من ضحايا حوادث المرور من الرجال. من هذا المنطلق من المناسب النظر في تسهيل توفير عمل للنساء أسوة بالرجال، والتشجيع على تعليم النساء لأنه قد تضطر إحداهن لأن تكون هي العائل الوحيد لأسرتها.
يبدو أن تطبيق بعض الخطط التي تحد من إهمال قواعد المرور، مثل الشرطة السرية و"ساهر" خطوة جيدة، مع ذلك تشير إحدى الدراسات إلى أن عدد الوفيات في ازدياد منذ عام 1391هـ. من هذا المنطلق، يبدو أن المجتمع ما زال في حاجة إلى توعية أكبر بقوانين المرور وتعاون الجهات المسؤولة لبناء خطة فعالة تحد من إهدار الأرواح عوضا عن محاولات التشجيع على الانتظام بقواعد المرور عن طريق المهرجانات والاحتفالات والشعارات التي استمرت نحو 30 سنة، وعلى الرغم من ذلك، لم تنعكس بصورة واضحة في الحد من أعداد الوفيات، وربما لم تنتهِ بوعي اجتماعي تظهر نتائجه على اقتصاد الدولة وأفراده.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي