من اقتصاديات التثاقف

عرّف بعض كتاب الغرب شعور الاغتراب بالشعور المزعج، الناتج من الإحساس بعدم معرفة الأشياء المحيطة، مثل الوجود بحضرة شخص أو مكان غير مألوفين، يتبعه إحساس تام بالحيرة.
يواجه كثير من الطلبة المبتعثين شعور الاغتراب أثناء سكنهم في البلد المضيف. مثل هذا الشعور قد يواجه فئات أخرى مثل العاملين في الدول الأجنبية، وأعضاء الهيئات الدبلوماسية في الخارج، وحتى بعض السياح. من الطبيعي أن يواجه الطلبة بعض الصعوبات خلال فترة إقامتهم في بلد الابتعاث، وغالبا ما تكون هذه الصعوبات في البداية. أشار أحد الباحثين إلى أنه يمكن للمرء تقسيم تأقلم الفرد في البيئة الجديدة إلى أربع مراحل، وهي مرحلة المراقب ومرحلة الاستيعاب، تليها مرحلة التفهم ثم التعايش مع الثقافة الجديدة. ربما يحتاج كثير من الطلبة المبتعثين إلى معرفة مسبقة بالأمور الثقافية المتعلقة بالبلد لغرض مساعدتهم في تخطي هذه المراحل بسرعة أكبر. كما يبدو أنه من المفيد للطلبة المتوجهين للدراسة في الخارج الاستعداد وتثقيف أنفسهم عن طبيعة البلد وثقافتها وحضارتها وتاريخها وجغرافيتها ونظامها التعليمي والثقافي والسياسي وتكوينها الاجتماعي وعادتها. رصد بعض المبتعثين معاناتهم وخبراتهم وتجاوزهم المشاكل ووثقوها في كتب ومقالات ومواقع التواصل الاجتماعي، وحتى اختار بعضهم موضوع بحثه الأكاديمي حول تكيف الطلبة في الخارج. أعجبني في هذا المجال كتاب صغير، "المبتعث السعودي والذكاء الثقافي"، الذي وثق فيه يوسف النملة الذكاء الثقافي للمبتعثين السعوديين، ومدى حاجتهم وقدرتهم على التكيف مع البيئة الجديدة، وعرض فيه بعض النصائح التي من المتوقع أن تفيد كثيرا من الطلبة وتساعدهم على تفهم ثقافة المجتمعات الجديدة.
ترى دراسات التأقلم مع البيئة الجديدة، أن القادمين إلى بيئة ثقافية جديدة، مثل الطلاب أو المهاجرين، يمرون بثلاث فترات أساسية، وهي فترة الحماس والإثارة بفكرة الانتقال للعيش في مكان جديد، يلي ذلك مرحلة الصدمة الثقافية التي تحدث لكثير من الناس، كما يرى مارتن وناكاياما في دراستهما التي نشرت عام 2000. أوضح المؤلفان في دراستهما أن هذه الفترة تتضمن أيضا تجربة الشعور بأزمات الهوية. أما المرحلة الأخيرة، فتنطوي على التكيف مع البيئة الجديدة، ويختلف التعايش من حيث النوعية وكمية التغير حسب الشخص نفسه.
أشار الأستاذ يوسف من خلال مسح عام أجراه على بعض المبتعثين السعوديين، أن الأغلبية لم تواجه مشاكل ثقافية، وحصر بعض المشاكل التي واجهها المبتعثون في التعامل مع الجنس الآخر والتعامل مع الطلبة وأهل البلد الأصليين، إضافة إلى اختلاف ثقافة التعليم. تخطي أغلب هذه الصعوبات وغيرها مما قد يواجهه المبتعثون، والتكيف في الدول المضيفة لهم من الأمور المهمة، لما لها من أثر كبير في تحسين التحصيل الدراسي، كما يرى كثير من الباحثين. حيث يؤثر استيعاب الطلبة المبتعثين في المجتمع المحيط بهم واستكشافهم عادات وتقاليد أهل البلد وتفاعلهم معهم، بشكل كبير في الحد من الصعوبات اليومية التي قد يواجهونها. كما أن تفهم المبتعث للمجتمع المحيط به يقلل من الضغوط والتوتر النفسي الذي قد ينشأ بسبب تغير المجتمع. التنمية الاقتصادية هي الدافع للحراك الطلابي والبشري بين الدول، والتكيف بشتى أنواعه بين هذه الفئات عامل مهم في نجاح هذا الحراك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي