بين الدرجتين الأفق والأولى في الابتعاث

أشار كثير من التربويين إلى أهمية دراسة الطلبة إحدى مراحل التعليم في دول خارجية تختلف عن دولة المنشأ. كما رصد بعضهم أسبابا عدة توضح أهمية الدراسة في الخارج وفوائدها. مثل تعزيز الانتماء الوطني وتأكيد الحوار الحضاري والثقافي، وتحسين نوعية التعليم وتطوير القدرات اللغوية والسلوكية والاجتماعية. كما تدرك عديد من الدول، النامية والمتقدمة على حد سواء، أهمية الدراسة في دول أخرى؛ ما أدى إلى ابتعاث طلابها للدراسة والتدريب المهني في الخارج. وقد بينت الدراسات أن عدد المبتعثين والدول المبتعثة للطلبة زاد بشكل ملحوظ في العقدين الماضيين في عديد من الدول العربية والأجنبية.
من أهداف برامج الابتعاث في دول أوروبا على سبيل المثال دعم التنقل التعليمي، والذي يشمل حراك الطلبة والفنيين والخبراء وأعضاء هيئة التدريس من دولة إلى أخرى داخل الاتحاد الأوروبي. وقد بدأ التنقل التعليمي الأوروبي مع بدايات إنشاء الاتحاد الأوروبي؛ لهدف تعزيز المواطنة الأوروبية، ولغرض توفير كفاءة أفضل للمجتمعات الأوروبية والتقليل من الفروق الثقافية بين الدول بناء ما يسمى بالمجتمع الأوروبي وتحسين نوعية التعليم العالي ودعم القدرة التنافسية الدولية في المجتمعات الأوروبية وغير ذلك. يعتقد كثير من المعنيين بالتعليم العالي أن من أقل ما يكتسبه الطالب المبتعث، قدرته على التأقلم وسهولة العمل والتواصل مع أفراد من مجتمعات مختلفة، كما يصبح الطلبة أكثر تقبلا للتغيرات المختلفة المحيطة بهم.
أما في دول الخليج على سبيل المثال، فتتراوح الأهداف بين المساهمة في تسريع النمو الاقتصادي وبناء قوى عاملة وطنية مؤهلة قادرة على التنافس مع أسواق العمل العالمية، وإعادة هيكلة الاقتصاد والارتقاء بمستوى العاملين التعليمي ومواكبة التطورات الجديدة. كما تتفق دول الخليج وبعض الدول العربية مع كثير من الدول الأوروبية والأمريكية ودول شرق آسيا، في السعي إلى تعزيز التبادل الطلابي والحراك الأكاديمي.
تتماثل أغلب برامج الابتعاث العربية والعالمية في أهدافها، وتختلف في أساليب تحقيق هذه الأهداف حسب حجم البرنامج وأعداد الطلاب واقتصاد الدولة وطبيعة احتياجات سوق العمل فيها وبنية الاقتصاد الوطني. ويعمل منظمو برامج الابتعاث على تطوير برامجهم، كما تصرف الدول المبتعثة مبالغ طائلة لدعم برامج ابتعاث الخاصة بها.
ويبدو لي من مراجعة عامة لكثير من برامج الابتعاث، أن هذه الجهات تسعى لتحقيق أهداف الإبتعاث المحددة لها والحد من الصعوبات والتحديات التي تعترض الطلبة في الخارج. من المجدي التعرف على تجارب وخبرات برامج الابتعاث الأخرى في مختلف الدول والاستفادة وأخذ النافع منها، حتى مع اختلاف أهداف التطبيق واستراتيجياته.
مع تجاوز مبتعثي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي وجهات الابتعاث السعودية الأخرى 140 ألف طالب، حسب إحصائيات وزارة التعليم العالي، فمن البديهي ملاحظة تباين الطلبة في أدائهم في الخارج، حسب قدراتهم وإمكاناتهم، حيث إن بعضهم تم اختيارهم لتفوقهم وبعضهم مرافقون ضموا للبعثات ولم يكن هدفهم الأول في السفر للتحصيل العلمي. وبالتالي لا يمكن المساواة بين هذين الفئتين على سبيل المثال.
أحسب أنه من المناسب للقائمين على إدارة البعثات والطلبة، على حد سواء، التمييز بين الطلبة حسب إنجازاتهم الأكاديمية، تأسيا ببعض البرامج، التي تقسم برامج ابتعاثها وتسخّر جزءا من برامجها للطلبة المتميزين والحاصلين على قبول في جامعات عالمية المستوى والتصنيف. كأن تكون من بين أفضل 100 أو 200 أو حتى 300 جامعة، حسب التصنيفات العالمية، مثل التصنيف الأكاديمي العالمي لجامعة جياو تونج في شنجهاي أو ملحق التعليم العالي للتايمز.
يكون التشجيع للتميز، سواء في الأداء الأكاديمي أو الالتحاق في أفضل الجامعات الرائدة في العالم من خلال مكافآت شهرية وبدلات إضافية ومكافئات عند التخرج وضمان عمل قيادي في أقسام المؤسسات والشركات والوزارات والمصالح الحكومية المختلفة. ربما يشعر البعض بأن تقسيم الطلبة حسب إمكاناتهم أو الجامعات التي يدرسون فيها نوع من عدم المساواة، وأنها تتطلب بذل جهود إضافية لإدارة مثل هذه المبادرات.
من المؤكد أن عوائد الاستثمار في تحفيز القادرين ودفعهم للتميز وتشجيعهم على التنافس للدراسة في أفضل الجامعات سينعكس على الإبداع والابتكار في المجتمع. والذي بدوره سيكون له الأثر الكبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي