المملكة .. استراتيجية حراك الخارج مع الداخل

تشعر النخبة الوطنية قاطبة بأن ما تحققه المملكة من تحولات تنموية كبرى شاملة في الداخل، تستدعي مواكبة لها على مستوى العلاقات الدولية، يتسق معها ومع ما يشهده النظام الإقليمي من متغيرات بشكل متسارع وعميق.
قالت صحف الأسبوع الماضي إن هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، زارت خلال السنوات الأربع الماضية 112 دولة، واجتمعت مع 1700 من الزعماء السياسيين، وقطعت في رحلاتها ما يصل إلى 957 ألف ميل. هذا مثال على الفاعلية الهائلة للجهاز الدبلوماسي. نعرف أن الولايات المتحدة دولة قوية وقادرة على اعتزال العالم لو شاءت. لكنا نعرف أيضا أن دبلوماسيتها النشطة وحضورها المؤثر في ميادين الفعل السياسي، هو الذي يصنع قوتها ونفوذها الدولي.
بلادنا في حاجة إلى مراجعة لعملها السياسي الخارجي، تركز خصوصا على عنصرين:
أ‌) إعادة رسم الخيارات الاستراتيجية تجاه محاور الحراك السياسي في الإقليم. التركيب السياسي لمحيطنا يتغير بعمق، من العراق إلى اليمن ومصر والسودان، وقريبا سورية. لدينا موقف عام (غامض إلى حد ما) من القوى الجديدة في هذه البلدان. لكننا لا نشارك في توجيه مسارات التحول على نحو يخدم مصالحنا ويعزز أمننا القومي.
ب‌) تبني رؤية جديدة لعلاقاتنا الدولية، تؤسس - خصوصا - لدور أهلي في العلاقة مع المجتمعات والقوى الأهلية المناظرة في البلدان الأخرى. نلاحظ أن كبريات دول العالم - وبينها الولايات المتحدة مثلا - تشجع العلاقات التي تقيمها المنظمات الأهلية والجامعات والصحافة وقطاع الأعمال مع الدول والمجتمعات الأجنبية، وتنظر إليها كنشاط إيجابي مكمل لعملها الدبلوماسي. إما في بلدنا فثمة ارتياب قديم تجاه أي تعامل أهلي مع الحكومات والمجتمعات الأخرى. ومع أن هذه التعاملات تجري باستمرار، إلا أن الجهاز الدبلوماسي - ربما بسبب ذلك الارتياب - لا يستثمرها سياسيا، سيما في ظروف انقطاع العلاقات الدبلوماسية وتقييد العمل الرسمي والعلني.
هل لدينا رؤية استراتيجية تحدد ما نريد عمله تجاه اليمن أو العراق أو باكستان أو مصر أو سورية؟ لا أقصد الكلام الدبلوماسي حول "تمنياتنا باستقرار هذا البلد أو ذاك"، بل الاستهدافات المحددة لضمان مصالحنا وتعزيز أمننا القومي. وإذا كان الجهاز الرسمي غير جاهز لتطبيق استراتيجية كهذه، سيما في الدول التي تشهد تقلبات شديدة، فلماذا لا نشجع قطاع الأعمال والقوى الأهلية على فتح قنوات مع تلك المجتمعات، مع دعمها وتوجيهها، ثم الاستفادة منها في وقت لاحق.
لدينا كثير من عناصر القوة القابلة للاستخدام في السياسة الخارجية، لكن هذا رهن بوجود استراتيجية جديدة، رؤية جديدة، وجهاز دبلوماسي سريع الاستجابة للتحديات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي