تصفية المساهمات.. عودة الأموال
عشر مساهمات عقارية تمت تصفيتها على يد وزارة التجارة خلال العام الماضي بقيمة تجاوزت ثلاثة مليارات ريال، وتمّ فعلاً إعادة بعض الأموال للمساهمين، وتستكمل وزارة التجارة الإجراءات النظامية لإيداع مبالغ المساهمات الأخرى بعد رحلة طويلة عادت منها الأموال الضائعة في المساهمات العقارية بعد أن مرت السوق بتجربة مريرة أسفرت عن خسائر وأضرار وتعثر في استثمار الأموال في مكانها الصحيح، وكان أهم الدروس المستفادة هو أن ترك الحبل على الغارب حتى تقع مشكلة بهذا الحجم هو خلل وثغرة قانونية، صحيح أنه تمت الاستفادة من الدرس وإيقاف هذا العبث في جمع الأموال ممّن لا يحسنون إدارتها، بل لا يستطيعون تحمُّل ضغوط حيازة هذه الأموال والالتزام بما أبرموه من عقود واتفاقيات كانت هي الغطاء الوحيد القانوني لكل ذلك النشاط غير المنظم إلا أن الضرر قد وقع ويجري حالياً جبره والتعويض عنه.
لقد كان مكمن الخطر في سوء تجربة تسويق الأراضي في بعض المخططات المصرح لأصحابها بجمع مساهمات مالية للتطوير، ولتفادي تلك الأخطاء فقد جاءت الشروط والإجراءات الجديدة حسب قرار مجلس الوزراء رقم 73 بتاريخ 13/3/1431هـ لتفادي أي مخالفات متعمّدة أو أخطاء غير مقصودة تؤدي إلى الإضرار بالعملاء وتنعكس سلباً على التنمية العقارية والاستثمارات الضخمة التي يمكن أن تتوافر لمثل هذه المشروعات التي تحظى بطلب كبير وتحتاج إلى قدر كبير أيضاً من الثقة والأمانة لدى المطور العقاري.
إن مجموع المساهمات العقارية غير المرخصة يبلغ أربعاً وستين مساهمة حسبما كشفت عنه وزارة التجارة والصناعة في العام الماضي، وهي المساهمات الأكثر خطورة، حيث إن عدم الترخيص يعنى وجود مخالفات جسيمة في جميع الأموال وتوظيفها والتصرّف فيها، ولا يوجد في الغالب عقار يمكن بيعه لسداد حقوق المساهمين في بعض المساهمات، ولعل الرقم الأكثر خطورة هو أن عدد المساهمات المتعثرة منذ عام 1403هـ حتى 1426هـ 105، تمت تصفية 64 مساهمة قبل تشكيل هذه اللجنة الحالية في وزارة التجارة والصناعة.
إن الشيء المؤسف هو أن نسبة مصداقية أصحاب المساهمات لا تتجاوز 10 في المائة، حيث تعثر ما يزيد على 90 في المائة من المساهمات المرخصة وجميع المساهمات غير المرخصة، وفي هذا ما يكفي للدلالة على أن الاستناد إلى مجرد الثقة الشخصية من قِبل المساهمين لم يعد له محل، كما أن انعدام أو ضعف القواعد التنظيمية لضمان حقوق المساهمين وترك الرقابة والسيطرة على الأموال لصاحب المساهمة، خسارة محققة وضرر مؤكد، ولهذا فإن إخضاع المساهمات العقارية لرقابة هيئة السوق المالية مصلحة عامة لمنع التلاعب وإقفال الباب على الباحثين عن الثراء السريع تحت مظلة المساهمات العقارية وضخ للأموال في مكانها الصحيح أو المحافظة عليها باعتبارها ادخاراً لمصلحة رب الأسرة. ولعل انتهاء هذا الملف الساخن يسهم في تحسين الوعي لدى المتضررين ويمنع غيرهم من الوقوع في مثل هذا الفخ مرة أخرى.
إن الحاجة إلى تأمين العدد الكافي من الوحدات العقارية بما يلاءم حجم الطلب في السوق لا يمكن تعليقها على أمانة بعض المطورين الذين أساءوا للسوق وللعملاء، كما أن إقفال الباب تماماً فيه ضرر على العملاء الذين يشكلون شريحةً جيدةً في السوق العقارية، ولذا فقد كان من الضروري وجود تنظيم جديد وشامل وتحت إشراف جهة رسمية متخصّصة تراقب التنفيذ الكامل للمشروع، ولا يقل أهمية عن ذلك الترخيص لتسويق الوحدات العقارية على الخريطة، حيث يصعب على الكثيرين امتلاك المسكن الملائم مما يفرض تحقيق طموحات الكثيرين وبما يلائم قدراتهم المالية، وفي الوقت نفسه فتح المجال الاستثماري لرجال الأعمال وهو جزء من التنمية العقارية، خصوصاً الأماكن المتكاملة في خدماتها وبنيتها، حيث يشكل هذا الاتجاه فرصة استثمارية ناجحة في النطاق العمراني لعديد من المناطق وفي مدنها الرئيسة ومحافظاتها.