هل «أرامكو» بلا رقيب ولا حسيب؟
في مقاله المنشور في صحيفة ''الشرق'' بتاريخ 16/1/2013، اتهم الدكتور عبد الله الفوزان، شركة الزيت العربية السعودية ''أرامكو السعودية''، بعدم الشفافية، وأنها بلا رقابة مالية حكومية، وأنه ليس لوزارة المالية سلطان على ميزانيتها، فهي سيدة نفسها، وسيدة إيراداتها ومصروفاتها. وفي مقاله المنشور في صحيفة ''الاقتصادية'' بتاريخ 20/01/2013، بعنوان ''أرامكو ليست فوق القانون، لكنها فوق الشك والريبة''. دافع الأستاذ عثمان الخويطر عن شركة أرامكو ضد الانتقادات التي وجهها عبد الله العلمي في مقاله المنشور في صحيفة ''الاقتصادية'' بتاريخ 15/1/2013 بعنوان (أرامكو ليست فوق القانون).
ولقد استرعي انتباهي في مقال عثمان الخويطر، قوله إن ''لدى أرامكو جهازاً خاصاً متخصصاً في البحوث الجنائية، والكشف عن مواضع الخلل في سلوك الموظفين والمتعاملين مع الشركة، لا تقل كفاءته عن أجهزة الاستخبارات الدولية المحترفة''، ثم تناول موضوع الرقابة على الشركة، فقال ما يلي:
''ويجب ألا نغفل أن شركة أرامكو مؤتمنة من قبل الدولة على المصدر الرئيس لدخل البلاد. والشركة تتكون من مجموعة من المواطنين المخلصين، ومن المستحيل أن ينفرد شخص ما أو مجموعة من الأشخاص بالاستحواذ على قسم من الدخل بأي طريقة كانت. فنظام وتركيبة الشركة يجعلان من كل إدارة فيها رقيبا على الدوائر الأخرى، حيث لا تنفرد إدارة بعينها بالقرار وحدها. وهذا ما يسمى بنظام: CHECK AND BALANCE.
ومن المؤكد أن نظم الشركة وكفاءة أدائها أفضل بكثير من أجهزة المراقبة في الدولة، فلا يصح أن يشرف الأقل كفاءة على الأعلى كفاءة. ويكفي ما لديهم من مسؤوليات عظمى داخل الدوائر الحكومية نفسها''.
وتعليقاً على ما سبق، أقول ما يلي:
1- إن طبيعة نشاط ''أرامكو''، التي تعتبر أكبر شركة نفط في العالم، تقتضي أن تتولى هي وضع ميزانيتها وحسابات أرباحها وخسائرها، طبقاً للأصول المهنية المتبعة في مجال الأنشطة التجارية، وبعيداً عن الإجراءات والقواعد المتبعة في وضع ميزانيات الوزارات والمؤسسات الحكومية. وطبقاً لأحكام نظام الشركة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/48 وتاريخ 4/4/1409هـ، يتم إعداد ميزانية الشركة تحت إشراف رئيسها، ثم ترفع الميزانية إلى مجلس الإدارة، الذي يرأسه وزير البترول والثروة المعدنية، للموافقة عليها، ثم ترفع إلى المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن، الذي يرأسه الملك رئيس مجلس الوزراء، لمناقشتها والمصادقة عليها. ولذلك فلا وجه للمقارنة في هذا الشأن بين ''أرامكو'' والأجهزة الحكومية.
2- إن الأستاذ عثمان الخويطر من الراسخين علماً وخبرة في مجال صناعة النفط والغاز، وقد كان أحد نواب رئيس شركة أرامكو، وإنني أحرص على قراءة مقالاته، خصوصاً المتعلقة بشؤون النفط، التي أجد فيها معلومات قيمة وتحليلات رصينة. إلا أنني أجد نفسي هذه المرة مختلفاً معه بشأن الرقابة على ''أرامكو''، فالذي يفهم من كلامه أن ''أرامكو'' تخضع لرقابة ذاتية فحسب، وأنها بعيدة عن سلطة أجهزة الرقابة الحكومية، التي لا يصل مستوى كفاءتها إلى مستوى كفاءة أجهزة الرقابة الذاتية في الشركة، وهو رأي غير سديد لأن نظام شركة أرامكو وضع القواعد العامة للرقابة على الشركة، بما في ذلك قواعد خضوعها للرقابة الحكومية، فالمادة (27) من هذا النظام نصت على ما يلي:
''تشرف وزارة البترول والثروة المعدنية على جميع أوجه نشاط الشركة الفنية، وتقوم بمراقبة جميع إيراداتها ومصروفاتها. وتتأكد وزارة البترول والثروة المعدنية من أن الشركة تنفذ سياسات الحكومة البترولية، وأن الشركة تواصل تسيير أعمالها بجد وفعالية وبطريقة اقتصادية وفنية، طبقاً لأساليب الدرجة الأولى المتبعة في صناعة الزيت، بما يحقق المحافظة على الثروة البترولية''.
وقررت المادة (26) من النظام المذكور، أن يكون للشركة مراقب حسابات خارجي يدقق حساباتها وفقاً للقواعد المحاسبية المعتمدة مهنياً، حيث نصت هذه المادة على ما يلي:
(يجري تدقيق حسابات الشركة بواسطة مراقب حسابات أو أكثر، يعينهم المجلس الأعلى سنوياً، ويجوز إعادة تعيينهم من سنة إلى أخرى، ويقوم مراقب الحسابات بصفة خاصة بمهمة التحقق من أن الميزانية العمومية وحساب الأرباح والخسائر مطابقان للسجلات الحسابية، وإنهما يظهران بصورة صادقة المركز المالي للشركة، بما يتفق مع القواعد المحاسبية المقبولة عموماً، ولمراقب الحسابات حق الاطلاع الكامل على دفاتر الشركة وسجلاتها وغير ذلك من الوثائق، وله طلب البيانات والإيضاحات التي يراها ضرورية لتحقيق موجودات الشركة والتزاماتها. وعلى رئيس الشركة أن يتأكد من أن مراقب الحسابات يتمكن من أداء واجباته. ويقوم مراقب الحسابات بإبلاغ مجلس الإدارة بأية صعوبات تواجهه في أداء واجباته. وإذا لم ييسر مجلس الإدارة عمل مراقب الحسابات، يكون لمراقب الحسابات الحق في طلب عقد المجلس الأعلى للنظر في الأمر، ويقدم مراقب الحسابات تقريره سنوياً إلى المجلس الأعلى ويضمنه موقف المسؤولين عن إدارة الشركة من تمكينه من الحصول على البيانات والإيضاحات المطلوبة، وما يكون قد كشفه من مخالفات لأحكام النظام الأساسي، ورأيه في المدى الذي تعكس به حسابات الشركة وضعها المالي الفعلي. وترسل الشركة نسخة من تقرير مراقب الحسابات الى وزير البترول والثروة المعدنية).
ولضمان حيدة مراقب الحسابات، فقد قرر نظام الشركة أن المجلس الأعلى، هو الذي يعينه ويحدد مكافآته.
3- أخضعت المادة (28) من النظام، شركة أرامكو لرقابة ديوان المراقبة العامة، حيث قررت ما يلي:
''يتولى ديوان المراقبة العامة، مراجعة حسابات الشركة وفق ما يرد في هذا النظام، ووفق لوائحها المالية الخاصة بها، وللديوان في سبيل تحقيق ذلك:
أ - فحص القوائم المالية للتأكد من أنه قد تم إدراج المعلومات الضرورية الواجب إبرازها فيها، ومن أنها تعبر تعبيراً صحيحاً عن صافي الأرباح أو الخسائر لكل سنة مالية، وتظهر بصورة عادلة المركز المالي للشركة.
ب - فحص تقارير مراقب الحسابات عن الميزانية العمومية وحساب الأرباح والخسائر، وبحث تحفظاته، والتأكد من مبرراته، ومتابعة ما يجب اتخاذه حيالها.
وإذا تبين من فحص الوثائق المذكورة في الفقرتين (أ، ب) أعلاه ما يدعو إلى فحص سجلات ومستندات الشركة، يمكن للديوان عندئذ القيام بذلك بالتنسيق مع وزير البترول والثروة المعدنية. ويجوز للديوان ممارسة مسؤولياته المذكورة أعلاه عن طريق جهة محاسبية يتعاقد معها لهذا الغرض''.
نخلص من جميع ما سبق إلى أن ''أرامكو'' ليست فوق القانون، كما أنها ليست بلا رقيب ولا حسيب، وأنها تخضع للرقابة الحكومية وفقاً لطبيعة عملها ونشاطها، وطبقاً لأحكام نظامها والأنظمة واللوائح الأخرى ذات العلاقة.