أزمة علاج

يقال في الحكمة الشهيرة: (إن التشخيص نصف العلاج) إلا إذا كان التشخيص صادرا من آراء رياضية أصبحت تتصدر المشهد في تناول "أزمة كأس الخليج" وما قبلها من أزمات حدثت للمنتخب السعودي، فإنها بالفعل تصرف علاجا لا علاقة له ألبتة بحالة كرتنا المنهكة، وستكون مسؤولة بالطبع عن تبعات هذا التوصيف الخاطئ الذي من الممكن أن يقضي على اللاعب المعني مباشرة باستقبال هذه الآراء النقدية وهو يشعر بها كلمة كلمة.
خطورة القضية هنا تتمثل في أننا أصبحنا إزاء أزمة معقدة ومركبة في الوقت نفسه، فلا اللاعب الذي فقد تألقه على استعداد لتقبل النقد الموجه له واستيعابه، أو الاستفادة من أهل الخبرة والرأي ممن يملكون تاريخا كرويا حافلا، وخبرة ثرية في الملاعب أو الإعلام، ولا الناقد الذي يدلي برأيه قادر هو الآخر أيضا على إيصال رؤيته وتقديم فكرته بالشكل الصحيح والمنطقي.
لذلك لن أستغرب عندما تحاول معظم الآراء الرياضية التي شخَّصت وتشخِّص الأزمة التي يمر بها الأخضر السعودي أن تسقط (الجمل بما حمل) -دون إدراك للعوامل الأخرى المحيطة- على هذا الجيل الملاييني المتشبع الذي لا يملك أي دافعية، ويفتقد الطموح، ويفتقر إلى الرغبة في الإنجاز، ومن البدهي ألا يكون مهتما بتقديم عطائه وإبداعاته للآخرين، فهو يملك كل شيء، وبالتالي حُكِم عليه بأنه لن يقدم للوسط الرياضي المتعطش أي شيء!
وحتى مع هذا التجييش المتفق عليه فإنني لا أميل بالضرورة إلى من يردد هذه الإسقاطات التي تؤكد بالفعل أن لدينا أزمة أخرى في الرأي، تنضم إلى الأزمة الحقيقية (الأم) التي تحيط بالأخضر ونحن بصدد علاجها، لكنني حتى لو مررت مرور الكرام على آراء كهذه، وامتنعت عن التعليق عليها، فإنني لن أستطيع أن أتغاضى أو أتقبل أو أستسيغ من ينحرف عن الحد الأدنى الذي نريده من الناقد أو الخبير الكروي، كأن يطالب أحد هؤلاء بالاستعانة بلاعبي دوري (ركاء) الذين لا يتقاضون الملايين مثلما يتقاضى نجوم "زين" الذين عجزوا عن تسويق نجوميتهم خارج الحدود! ومن العجب أيضا أن ينادي من نحسبهم أعلاما في الإعلام بإبعاد جميع اللاعبين دون استثناء، لمجرد خسارة بطولة!
بناء على ذلك أتساءل: هل الملايين هي السبب الرئيس في تغييب لاعبي هذا الجيل؟ وهل مجرد توقيع عقد بعشرة ملايين أو أكثر كفيل بأن يجعل مسيرة النجم تقف عند حد معين؟ ثم أين خبرة الإداريين التي يجب أن تسخر لمصلحة اللاعبين؟ والأهم كيف نطور فكر اللاعب؟ وبالتالي نطور احترافنا؟
هذه هي التساؤلات الشمولية التي يجب أن يبني عليها هؤلاء النقاد آراءهم، وأتصور أن إجاباتها التي تنطلق من الفكر الاحترافي وتعتمد بالدرجة الأولى على الثقافة والإحساس بالمسؤولية، وترتكز على تطبيق الاحتراف، والاستعداد لمواكبة الخصخصة، لا يمكن أن يقوم بها طرف دون الآخر، فهي مشتركة بين الأندية والمنتخب وتطبيق اللوائح وتوفير البيئة المناسبة، وهذه الأطراف هي التي تهيئ اللاعبين ليكونوا هم النقاد والخبراء والمشخصين الحقيقيين الذين لا يملكون نصف العلاج فحسب.. بل العلاج كله!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي