اقتصاد المعرفة = شركات تقنية ناجحة
كثرت لدينا في المملكة الأودية التقنية تيمنا ورغبة في نقل تجربة وادي السيليكون في أمريكا، الذي اشتهر لدينا بعد الطفرة الكبيرة في شركات تقنية المعلومات، والذي كان الجزء الأكبر من شركات تقنية المعلومات الناشئة التي نمت بسرعة كانت تقطن فيه، مع العلم أن واحات التقنية تنتشر في كافة أرجاء أمريكا والدول المتقدمة الأخرى وبكافة أنواع التقنية والتي تعد تقنية المعلومات أصعبها.
وسهلت عملية نجاح وادي السيليكون وجود ثلاثة مطارات دولية وعشرات الجامعات العريقة، منها جامعة ستانفورد، وبنية تحتية من المستثمرين النبلاء Angel Investor وأندية رأس المال ''الغامر'' ''الجريء'' Venture Capital مع ما يرافقها من مؤسسات دعم حكومية، تمثل تجمعا في محيط لا يتعدى 200 كيلو متر مربع، مع علاقات دولية عريقة مع الكثير من الجامعات والواحات المشابهة التي امتدت لأكثر من 50 عاما.
ومن أصعب الأوضاع في الحياة التي تواجهنا في مسيرتنا العملية ما يسمى السهل الممتنع، وهو تماما ما نشاهده في تجربة أودية التقنية لدينا، فلو نظرنا لشركة تقنية بادئة ومثلناها بشكل مشعل يشعل شعلة لهب فوق منارة لتراها السفن من مكان بعيد وهذه الشعلة تستخدم الغاز مثلا، فعندما تكتمل كل حلقات ومتطلبات عمل هذا المشعل والتي منها عود ثقاب، يتم إشعال المشعل ويرى من مسافات بعيدة، وتبدو العملية بسيطة وسهلة فقط قرب شعلة الثقاب إلى فوهة المشعل وتراه يعمل على أكمل وجه، ولكن هب أننا لم نحصل على الغاز نفسه أو أي عوامل أخرى مساعدة مثل الأوكسجين، فلن يشتعل هذا المشعل أو أي مشاعل أخرى مشابهة له، وهنا تأتي المعادلة الصعبة التي ينقصنا فيها الكثير من الحلقات اللازمة لبدء شركات التقنية أصل اقتصاد المعرفة.
يعتمد المحللون في هذا المجال على نظام العمل بتتبع تجربة مثال ناجح أو ما يسمى باللغة الانجليزية pinch marking حيث إن المسؤولين لدينا في واحات التقنية يريدون إعادة اختراع العجلة، وربما أرادوها مربعة لغرض الاختلاف فقط، ولا ينظرون بعمق إلى التجارب الناجحة العالمية والإقليمية بل والمحلية التي أورد مثالا لها وهي شركة أعمال المياه والطاقة الدولية – أكوا باور – والتي كانت في عام 2004 مجرد شركة بادئة، حيث ذكر الشيخ محمد أبو نيان في تصريحه الأخير عن الشركة ما يلي: ''واليوم تمتلك الشركة في محفظتها 19 محطة لتوليد الكهرباء وتحليه المياه، وتبلغ الطاقة الإنتاجية لهذه المحطات 13 ألف ميجاواط من الكهرباء و2.37 مليون متر مكعب من المياه المحلاة. كما يزيد مجموع المبالغ المستثمرة في هذه المحطات على 63 مليار ريال (17 مليار دولار) موزعة على ثماني دول وتغطي ثلاث قارات مستخدمة مختلف أنواع التقنيات، إضافة إلى التنوع في الوقود المستخدم'' انتهى.
وأنبه إلى أنه على جميع المسؤولين عن واحات التقنية في المملكة بأن ينظروا إلى التجارب الناجحة المحلية أولا، وعلى رأسها ما نستطيع أن نفخر به، وهي شركة أكوا باور كما أنهم لن يعدموا تجارب ناجحة إقليمية وعالمية ماثلة أمامهم وأن يبتعدوا عن التنظير والتسويف والمراوحة في مكان واحد، وعليهم أخذ زمام المبادرة بشجاعة تبدد كل أوهام المخاطرة التي بنيناها بمفاهيم خاطئة بسبب الكثير من اللبس في التعريفات التي لم نفهمها كما هي من اللغة الإنجليزية – الحاجز اللغوي - ولم نترجمها الترجمة الصحيحة فترجمة Venture Capital لا تعني رأس المال المغامر بل تعني رأس المال الغامر الذي يغمر الشركة الصغيرة أو المتوسطة ويحولها إلى شركة كبيرة وعالمية, وهذا هو المنعطف الذي تقاطعت فيه رغبة مصلحة معاشات التقاعد وشركة سنابل كمستثمرين غامرين لتستحوذا على نسبة تقارب الـ 20 في المائة من شركة أكوا باور التي أثبتت نجاحا ومستقبلا مزدهرا وقللت من المخاطرة، بل إن أقدام هذا القدر الكبير من رأس المال الغامر في هذا الاستحواذ، يعد إثباتا على أن المخاطر قليلة وأن نسبة النجاح كبيرة، لذا فإن كلمات ''مغامر'' أو ''مخاطر'' أو ''جريء'' هي الكلمات الأسوأ التي أعطت معنى مغايرا للترجمة والمعنى المقصود.
وخطوة الاستحواذ هذه هي الجولة الأولى في طريق نشوء شركة عالمية كبيرة وبسواعد ورؤية وطنية يملأها الحماس والعمل الجاد, والتي تتمثل في مجلس إدارة شركة أكوا بور ومديريها التنفيذيين، وأقول لهم إنني أعلم مدى الجهد والعمل الذي بذلوه في سبيل تحقيق هذا النجاح، ولكن المحافظة عليه أصعب ومن بوادر أساليب المحافظة عليه لديكم خطواتكم البناءة في مجال الطاقة الشمسية في مشروعكم الواعد في المملكة المغربية، ولعلنا نرى ما يحدث في غرب العالم العربي ماثلا أمامنا في شرقه.