هل عاد النصر؟
العاطفيون وحدهم ستقودهم عاطفتهم إلى الإجابة عن هذا السؤال بعيداً عن الموضوعية والمنطقية، وسيبدؤون في رسم هالة مفخّخة لعالمي ظل سنوات طويلة يبحث عن نفسه وإثبات وجوده أمام جماهيره العريضة دون جدوى! ومَن يقرأ التاريخ جيداً سيجد أن النصر تكمن أزمته في هؤلاء الذين يحبكون له هذا السيناريو بشكل متكرّر متى ما نجح في الفوز في لقاءين متتاليين، وأمام فرق ضعيفة، فما بالك وهو ينتصر هذا الموسم في تسعة لقاءات من 11، أحدها مع وصيف آسيا!
المشكلة أن هؤلاء العاطفيين ليسوا جماهير من حقهم أن يبالغوا في فرحهم بعودة نصرهم، لكن عندما تأتي هذه اللغة التخديرية من إعلاميين ولاعبين سابقين لهم كلمتهم وتأثيرهم في الوسط الرياضي، فإنني ومن مصلحة كرة القدم السعودية التي ستتقوى بعودة النصر عاجلاً أو آجلاً، سأتناول أبعاد وتأثيرات هذا السؤال بعد أن عادت بي عجلة الزمن لمقال سابق عنونته بـ "صناعة النصر" في الموسم الماضي، وحينها أكدت أن النصر بدأ وأكرر (بدأ) يرسم طريق العودة بوصوله إلى نهائي كأس الأبطال، الذي يعد بمنزلة كشاف جديد سبق أن أعاد لنا نظيره الأهلي الذي يتشابه معه في ظروف الغياب بانتصارات قفزت به إلى وصافة الدوري وبطولة آسيا، والتتويج بكأس الأبطال، لكن ما النتيجة هذا الموسم؟
لا أعتقد أن هناك أحداً توقع أن يتراجع الراقي إلى حد أن يفقد توازنه بابتعاده عن المنافسة من الدوري أو بخروجه المبكر من كأس ولي العهد، لكن الهالة الإعلامية التي أسبغت عليه جعلت لاعبيه تحت تأثير الضغط ليل نهار على الرغم من أنه لا يزال في بداية الطريق.
ما دام الأمر كذلك فإنني أجزم أنه من المبكر جداً، ومن السابق لأوانه الحديث عن عودة متكاملة وشمولية للنصر، الذي ما زال في حاجة إلى الكثير، ليستوعب ثقافة الانتصارات، ويستعيد لغة المنافسة على البطولات، ويعود كما كان في نظر هؤلاء العاطفيين نداً للكبار، لكن ذلك لا يمنع من الثناء الواقعي على خطوات الإدارة النصراوية التي بدأت ولم تنته بعد في مشوار تصحيح المسار الطويل والشاق منذ العام الماضي، وواصلت ذلك عبر جرأة محسوبة أسهمت في إنقاذ الفريق هذا الموسم بمدرب بدأت تتضح معه معالم شخصية الفريق الذي يسير بثبات فني وطموح ورغبة في الفوز طوال 11 مباراة، مهما كان حجم الغياب ونجومية اللاعب.
أعود إلى سؤالي المطروح من أجل مصلحة كرة القدم السعودية لأؤكد أننا ما زلنا بحاجة ماسّة إلى أكثر من نصر وإلى أكثر من أهلي، فلا تتسرّعوا أيها العاطفيون في إصدار الأحكام القاطعة بعودة العالمي لمكانه الطبيعي بطلاً كما كان، فالموضوعي مَن اتعظ بغيره، والعاطفي عليه أن يبحث هذا الموسم عن الأهلي والشباب فهما خير دليل!