لماذا يدمنون الإساءة؟!
هناك كلمة شهيرة تقول: ''إذا وصلتك فضيحة عن أحد فاجعلها تقف عندك ولا تتعداك، فإن وقفت عندك أخذت أجر الستر، ومن ستر مسلما ستره الله''. أين نحن من هذه القيم اليوم وإلى أي مستوى وصلت أخلاقياتنا في موضوع الستر على الآخرين، بل إلى أبعد من ذلك وهو الإساءة إليهم والمساهمة في نشر الشائعات التي تنال منهم، والكذب عليهم أو نقل المعلومات لمن يكذب عليهم.
نحن اليوم ما بين متغيرين ينالان من أخلاقياتنا وقيمنا وهما موضوع الستر في حالة قيام شخص بارتكاب خطأ ما من باب الجانب الإنساني وأن الناس خطاؤون، وموضوع تلفيق الأكاذيب والبهتان وسوء الظن والتشكيك في أخلاقيات الناس والنيل منهم ومن أعراضهم. وما بين هذين المتغيرين مسافات شاسعة من التجاوزات التي تنال من حقوق الآخرين، ناهيك عن مخالفتها للقيم والأخلاق السماوية.
اليوم هناك أزمة أخلاقيات نعيشها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك استمراء ومتابعة ومساهمة وتشجيع للتجاوزات الأخلاقية ومفهوم حرية الرأي، وأصبحت حرية الرأي تتجاوز الشفهي للنيل من حرية الآخرين وحقوقهم في عدم المساس بكرامتهم وإنسانيتهم، وأن يعيشوا حياة كريمة هادئة وآمنة وبعيدة عن التوترات والمؤثرات. السؤال السلوكي المطروح: لماذا يندفع هؤلاء للإساءة والمساهمة أو المشاركة أو الترحيب بمثل هذه الممارسات تجاه الآخرين؟
هنا تفسيرات عديدة نفسية، منها أن هناك أناسا ما زالوا يعيشون حالة من النكوص والعودة لمرحلة الطفولة وما ينتاب تلك المرحلة من ضعف في النضج الانفعالي والفكري والغيرة وحب التملك وعدم السيطرة على المشاعر والانفعالات، وهناك تفسير آخر هو ما يعانيه أولئك من مستويات مختلفة من العدوان والغضب المرضي ونقص واضح في مهارات توكيد الذات والذكاء الاجتماعي، وتعزز هذه السلوكيات والأفكار سلبا من خلال الانغماس في مثل تلك السلوكيات المضادة للآخرين وقد تصل إلى مرحلة الإدمان فتصبح مزمنة يصعب التخلص منها، حتى تؤدي بممارسها إلى مرحلة المرض النفسي وخاصة الاكتئاب والاضطراب الوجداني الانفعالي والشكوك الاضطهادية المرضية.
ومن التفسيرات العلمية النفسية أن الإنسان الذي يمارس مثل تلك السلوكيات ويدمن عليها، قد يعاني نقصا واضحا فيما يسمى الذكاء العاطفي، وهو القدرة على تمييز وفرز العواطف وحسن استعمالها، وقد عرفه كولمان بأنه القدرة على التعرف على شعورنا الشخصي وشعور الآخرين، وذلك لتحفيز أنفسنا ولإدارة عاطفتنا بشكل سليم في علاقتنا مع الآخرين.
مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر، وغيرهما، باتت مكانا خصبا وبيئة ملائمة لانتشار الإساءات، وممارسة الشكوك والعدوان والنصب والتجسس ونشر الفتن وسموم الكراهية بين الناس. ونحن نعيش يوميا ونسمع ونقرأ هذا الكم الهائل من السموم اللفظية والأكاذيب والافتراءات على شخصيات عامة وخاصة. وعندما نشاهد مثل هذه الممارسات وكثرتها بل وتزايدها، نصاب بالذهول لكل هذه الجرأة، والتعدي على الناس وكيل الإساءات دون خوف أو تردد أو رادع أخلاقي.
ما زلنا نتذكر عندما بدأت شبكة الإنترنت في الانتشار، تنادي حكماء العالم ومثقفيه لوضع ضوابط لاستخدامها، وسن قوانين وأنظمة تجرم إساءة الاستخدام. في ذلك الوقت ظهرت أصوات تقول إن هذه محاولة لمصادرة حرية الرأي، وعندما بدأت دول كثيرة في العالم في وضع بوابات تمنع بواسطتها بعض المواقع سواء المخلة، أو تلك التي فيها هجوم وتسفيه وتقليل أو شتم للمجتمعات والأديان، ومحاولة عزلها عن الجمهور الذي تحاول استهدافه واستفزازه، ظهرت مرة أخرى أصوات النشاز التي تحتج بأن هذا تعد على حقوق المعرفة وحرية تدفق المعلومات. وغني عن القول إنه بات اليوم واضحا سلامة مثل هذه الإجراءات، فبلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية يتكبد مواطنوها سنويا ملايين الدولارات من أجل شراء برامج الحجب والحماية سواء الأسرية أو في مقار العمل.
الجرائم التي تنال من الأخلاقيات وتتطاول على حقوق الآخرين، والتي ترتكب على شبكة الإنترنت مع تزايدها وظهور أنواع جديدة، تحتم علينا العمل على أن يتم وضع عقوبات من جنس الجرم، مثل التشهير ودفع غرامات، والحرمان من استخدام شبكة الإنترنت حسب حجم الجريمة وضررها بحق الآخرين. وفي ظني أن رجال القانون، يملكون الكثير من الأفكار في هذا الإطار.
إنها دعوة لسن مزيد من القوانين لمنع الاعتداء بالألفاظ والتهم التي نشاهدها يوميا على شبكات التواصل الاجتماعية، وأيضا هي دعوة لتصميم برامج توعوية وتثقيفية، وتنمية حس المسؤولية لدى أفراد مجتمعنا ومحاولة الوصول إليهم في مواقعهم وأماكن سكنهم.