المختبرات والطريق إلى البحث التطبيقي

لتقريب وجهة النظر التي سأطرحها سأبدأ بمثال موجود لدينا ألا وهو مختبرات ومعامل وزارة الصحة الخاصة بتحليل مكونات الأدوية للتأكد من مركباتها ومطابقتها للمواصفات العالمية وكذلك توجد مختبرات ومعامل لدى وزارة التجارة للكشف على المواد الغذائية والمنتجات الاستهلاكية للتأكد من أصالتها ومناسبتها للاستهلاك الآدمي.
ولا تخلو الدول المتقدمة من مثل هذه المختبرات المركزية ولكنها أيضا تزخر بآلاف من المختبرات المركزية المتخصصة في أفرع العلم المختلفة مثل أبحاث الليزر وتقنية النانو وغيرها من العلوم الأخرى وتدار هذه المختبرات والمعامل بفرق إدارية متخصصة وتقدم خدماتها بالتعاون المباشر مع الجامعات ومراكز البحث والتطوير في أبحاث متخصصة أو بتأجير خدماتها للمستفيدين من خدماتها بنظام الساعات مع توفير مشغلي المعامل والمواد المستخدمة في التجارب وتتقاسم هذه المعامل قواعد بيانات عن مجوداتها من الآلات والبحوث السابقة والقائمة والقادمة وذلك للتنسيق فيما بينها والاستفادة القصوى من الموارد المتاحة لديها وتتميز جميعها بالاستقلالية الإدارية والمادية حيث تعتمد على ما تحصل عليه من رسوم مقابل خدماتها أو منح من الدولة أو غيرها في حال توفر الحاجة إليها.
ولو نظرنا إلى رغبتنا في الدخول السريع لتقنية النانو مثلا فإننا لن نستطيع التقدم بما لدينا من معامل صغيرة متشابهة ومتناثرة في الجامعات ومراكز البحث العلمي ولكننا نحتاج إلى مختبرات ومعامل مركزية تخدم جميع الجامعات ومراكز البحث وتكون ذات طابع عالمي بحيث تقدم خدماتها بأجر على مستوى العالم.
وتوجد تجارب في جامعة الملك سعود جرى فيها التعاون بين الباحثين في الجامعة ومختبرات ومعامل مركزية في دول متقدمة وكانت تجارب ناجحة ومميزة ولكننا في الوقت نفسه نحتاج إلى فتح فروع لمثل هذه المختبرات والمعامل لدينا وبأسلوب إدارتها نفسه وطرق عملها وذلك لنكمل حلقة مفقودة لدينا وضرورية للتقدم في مجالات وأفرع العلم المختلفة وعلى الأخص الجانب التطبيقي منه.
وفي جميع كليات الجامعات لدينا نجد بحوثا تطبيقية تتمحور حول فرع من فروع العلم وبما لديها من معامل صغيرة أساسية تستطيع استنباط بعض التطبيقات الجديدة ولكنها تعجز عن التقدم وذلك لعدم وجود الآلات والإمكانات والخبرات التي تستطيع إكمال مشوار التقنية الجديدة ولن يستطيع معهد الملك عبد الله لتقنية النانو في جامعة الملك سعود أو غيره في الجامعات الأخرى من العمل بشكل منفرد للبحث والتطوير في كل أفرع العلم والتي تقطن في الكثير من الأقسام المتواجدة في الكليات العلمية المختلفة ولكنه قد يلعب دورا مهما لو جعل جل نشاطه في إنشاء مختبر ومعمل مركزي لأبحاث النانو في المملكة وربما أيضا نحتاج لتغيير اسمه من معهد إلى مختبر ومعمل مركزي لأبحاث النانو يخدم جميع الباحثين في كل كليات جامعة الملك سعود ومن يحتاج لخدماته من داخل المملكة وخارجها وبمقابل رسوم مجزية تساوي قيمة الخدمة المقدمة وهذه الرسوم تستقطع عادة من الموارد المخصصة للبحوث.
ولعلنا نعلم أن مختبرات ومعامل لويل تيك المركزية المتخصصة بأنظمة الرادار في أمريكا هي التي أوجدت البيئة المناسبة لتطوير أعقد وأنجح نظام دفاع جوي "صواريخ الباتريوت" بمقابل مادي دفعته الجامعات ووزارة الدفاع الأمريكية وشركات الأسلحة الكبيرة ومع معامل لويل تيك ستجد آلاف المختبرات والمعامل المركزية المنتشرة في كل أرجاء الولايات المتحدة يماثلها في ذلك كل الدول المتقدمة وعلى الأخص اليابان - ودعونا نتمنى - وفي المستقبل القريب ستلحق بهم المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي