أفكار تهدِّد الخصخصة
يبدو أن مجتمعنا الرياضي يؤيد الخصخصة ما دامت مجرد كلام إنشائي يتردد على مسامعه دون أن يراها مشروعاً تنظيمياً وتطويرياً تتضح نتائجه على أرض الواقع، فليس هناك أسوأ مِن تناقض مَن يقع على كواهلهم الارتقاء بكرة القدم السعودية، جراء ما يملكونه من نجومية وخبرة وفكر ومال، فهم يطالبون بتطبيق الاحتراف بحذافيره، ويتحدثون عن العمل وأهمية التنظيم، وينادون بضرورة تسريع عجلة الخصخصة، لإنقاذ الأندية، وفي الوقت نفسه يمارسون دوراً آخر لا يمت لتنظيرهم السابق بصلة، لتسجيله ماركة أصلية، جلُّ همها البحث عن الأضواء في وسطنا الرياضي، ولذلك لن أستغرب إذا اصطدمت أحلام فريق عمل الخصخصة وطموحاتهم في إيجاد صيغة تخصيص مناسبة لكرتنا بتصرفات هؤلاء المتناقضين.
وبما أن الحكمة الفلسفية الشهيرة تؤكد على: "أن حياتنا من صنع أفكارنا"، فإن الخصخصة هي الأخرى من نتاج تفكيرنا وآرائنا وقناعتنا وتقبلنا لها كواقع جديد يجب أن نستعد له، وهذا النتاج كفيل بأن يهيئ بيئة خصبة تمهد لهذا المشروع المهم والكفيل ببث الروح في جسد كرتنا المهزوز.
أدرك أن نجاح الخصخصة مرهون بجملة من العوامل التي تخص جميع الأطراف المعنية بكرة القدم، لكن لا أبالغ إذا قلت إن هناك آراء ومواقف يمكن أن تجهض مشروع الخصخصة أو تقف على الأقل عقبة في طريقها، ولعل تصريح النجم الكبير السابق صالح النعيمة حول انتقال أسامة هوساوي للأهلي يعزز ذلك، فهو يصر في حديثه لجريدة "الرياض" على أن رباعية الهلال التي سجلها في مرمى الأهلي أكبر رد على انتقال هوساوي، وكأنها هدية مغلفة له في الوقت نفسه، بل إن الويل تلو الويل لكل لاعب آخر يريد الانتقال من الهلال، فالأجواء لن تساعده، والفشل الحتمي سيكون في انتظاره، وعليه أن يتحمل الأحزان القادمة جراء فقدانه أجواء البطولات والشهرة والجماهير، وليت الكلام يقف عند هذا الحد فحسب، بل إن من يرغب في الانتقال - مع تحفظي الشديد على هذا الإضافة الغريبة - سيفقد مميزات أخرى لا توجد إلا في ناد كبير مثل نادي القرن!
أتفهم حرص وولاء النعيمة لعشقه الأزرق، لكن صالح يجب أن يدرك أنه مؤثر في هذا الجيل، وعليه أن ينظر في المقام الأول لمصلحة الكرة السعودية ومشاريعها التطويرية التي لا يمكن أن تنهض من كبواتها المتلاحقة بآراء كهذه ترسَّخ مفهوم الهواية، وتوسّع الفارق بيننا وبين الخليجيين ناهيك عن الآسيويين، وتقف حجر عثرة في وجه مشروع الخصخصة الذي كلما اقتربنا منه نظرياً ابتعدنا عنه تطبيقياً.
أما الأشد غرابة من ذلك فهو أن تتحرك إدارة الهلال لمفاوضة لاعبين آخرين أو تجديد عقود لاعبيها وبث البشرى لجماهير الزعيم بأخبار سارة في قادم الأيام، بناء على نتيجة انتقال لاعبين هلاليين إلى ناديين منافسين، وليس عن قناعة فنية بهذا النجم أو تخطيط مسبق على ذاك، والنتيجة لهذه الآراء والأفكار والمواقف والتحركات ستؤكد لا محالة أن الاحتراف الذي ننشده والخصخصة التي ننتظرها بفارغ الصبر ستصبح مجرد حبر أزرق على ورق أبيض!